الاحتفال برأس العام:احتفال بأعياد وثني
- الجذور التاريخية لأعياد الميلاد:
- حقائق يجب أن تفهم ومفاهيم يجب أن تصحح
- عام مضى و عام حضر ، فماذا قدمنا و ماذا أخرنا:
محمد جرودي:
في ليلة فاتح يناير من كل عام يحتفل النصارى و معهم المسلمون في مشارق الأرض و مغاربها برأس السنة الجديدة. وفي يوم 25 دجنبر من كل سنة يحتفل المسيحيون في كل بقاع العالم بعيد مولد المسيح عليه السلام فتقام قداسات في الكنائس المختلفة عشية الميلاد ويومه.. إضافة إلى تقاليد شعبية عديدة تتعلق بأيام عيد الميلاد كإنارة القناديل والشموع وزخرفة شجرة الميلاد وإضاءتها وتبادل الهدايا. و هو ما يفعله كثير من المسلمين أيضا. و لم يعد الاحتفال اليوم مجرد تبادل الهدايا و التهاني فحسب،بل تحول الأمر إلى إحياء ليالي حمراء كلها مجون و عربدة و سكر و تسفر الليلة على عدد من الحوادث و الجرائم و الإصابات و الاعتداءات. و عندما تسأل أحدهم عن سبب كل هذه المتاعب يقول بكل بساطة أنها احتفال بعيسى عليه السلام و أنه نبي كسائر الأنبياء و اننا معشر الملسمين نومن بكل الرسل وقد يكون أحدهم مثقفا فيلجأ إلى تأكيد قوله بقوله تعالى .(لا نفرق بين أحد من رسله). فالإيمان بجميع الرسل لاشك فيه لكن هل الإيمان بهم يقتضي تزيين شجرة الصنوبر و بابا نويل؟ و هل عيسى عليه السلام أمر الناس بالعربدة و السكر؟ و هل نحن ملزمون باتباع شريعة عيسى أم محمد صلى الله عليه و سلم؟ و هل عيسى عليه السلام ولد أصلا في هذا الشهر ؟ أم نحن من الذين ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه و سلملتتبعن سنن من قبلهم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه فقالوا اليهود و النصارى يا رسول الله؟ فقال فمن؟).صحيح البخاري الجذور التاريخية للاحتفال بميلاد المسيح:
اعتبار 25 دجنبر كيوم لميلاد المسيح عليه السلام والاحتفال به هو أمر لم يحدث إلا بعد القرن الرابع الميلادي. فقبل مجيء المسيحية بعدة قرون كان الوثنيون يحتفلون باليوم الخامس والعشرين من شهر دجنبر.. و كان للمزارعين في مختلف أصقاع العالم احتفالات وأعياد مرتبطة بتغير الفصول ووضعية الشمس ودوران الأرض وأوقات الحرث و الحصاد. وكان أحد أعيادهم عيدا يحتفل به في بداية انقلاب الشمس الشتائي الذي يقع تقريبا في الخامس والعشرين من دجنبر. من جهة أخرى تسربت إلى إمبراطورية الرومان في فترة قبل المسيح عقيدة(مثرائية) أو إله (مثرا). وكان مثرا (أو مترا، أو مهر بمعنى الشمس) في الأصل إلها للفرس القدماء ثم أصبح أحد آلهة الرومان العديدة وأضحى تدريجيا ذا أهمية ...حيث أعلن (أوريليانوس)[214-275] إمبراطور الرومان في سنة 274 أن اليوم الخامس والعشرين من دجنبر هو يوم ميلاد (مثرا) إله الشمس والنور فليُحتفل به.. فاختلط التقليد الزراعي لاحتفال تغيير الفصل بعقيدة عبادة –مثرا.- وكان الرومان يحتفلون بيوم 25 دجنبر باعتباره ميلادمثرا. جاءت المسيحية إلى أوروبا ومضت أكثر من ثلاثة قرون وظل الناس محافظين على قسم من تقاليدهم الوثنية ومنها احتفال يوم 25 دجنبر. ثم في الربع الثاني من القرن الرابع تنصر عيد الوثنيين الشتائي واتسم بسمات مسيحية فأصبح ميلاد المسيح " شمس" الصلاح والفضيلة بعد ما كان ميلاد الشمس. وكان هذا عام 336 الميلادي، يوم أعلنت الكنيسة الكاثوليكية بروما أن يوم 25 دجنبر هو يوم ميلاد عيسى عليه السلام.. عيد الغطاس: أما في الكنائس الشرقية كان الأمر يختلف. لأن نصارى الشرقيين كانوا يعتقدون أن عيد الميلاد هو اليوم السادس من يناير.. وهو يوم يسمى عندهم (عيد الغطاس)، أو(عيد الطهور). وهو يوم عمد فيه يحيى بن زكرياء عيسى بن مريم عليهم السلام في ماء المعمودية بنهر الأردن، لأنه كان من التقاليد القديمة تعميد الشخص في يوم ولادته. ومنذ بداية المسيحية كان اليوم السادس من يناير من أعياد النصارى المهمة. وبرغم أن نصارى الشرق كانوا يعتقدون أن الميلاد وقع في 6 من يناير، ولكنهم يؤكدون في احتفالاتهم على أن التعميد أكثر من الولادة حيث كان التعميد في رأيهم أكثر أهمية من وجهة نظر دينية. وبقيت العادة كذلك إلى اتخذت كنيسة روما يوم 25 دجنبر عيد الميلاد. ولكن لم يتخذ النصارى الشرقيين يوم 25 عيدا إلا بعد فترة طويلة.. وأول كنيسة شرقية اتخذت يوم 25 دجنبر عيد للميلاد كنيسة قسطنطينية في سنة 380 ثم احتفلت به كنيسة إنطاكية في سنة 338 ثم كنيسة الإسكندرية في سنة 432. ولا يزال الأرمن يحتفلون بعيد ميلاد المسيح في اليوم السادس من يناير..
تقاليد قديمة:
تقاليد عيد الميلاد متجذرة منذ عصور قديمة. وتوجد في بعضها نوعا من الرمزية، فإلإنارة والإضاءة رمزان للحرارة والنور وأشجار دائمة الخضرة رمز للبقاء وطول العمر. وجاءت التقاليد الشعبية لعيد الميلاد من أقوام أوروبا المختلفة كالرومان والجرمانيين السلتيين والتيوتونيين وغيرهم. و قيل أن شجرة الميلاد كانت من تقاليد الأقوام الجرمانيين القديمة ثم لما تنصروا بقي هذا التقليد الوثني وأصبح من تقاليد عيد الميلاد واتخذها أقوام أخرى.. وهذه الجذور الوثنية لعيد الميلاد أدت إلى خلافات مذهبية، فإن جماعة البيورتانية (التطهريون من الفرقة البروتستانتية) في إنكلترا في قرني 16-17 كانوا يرفضون الاحتفال بعيد الميلاد باعتباره عيد وثنيا. ومنذ القرن التاسع عشر أصبح عيد الميلاد أكثر شعبية وتوطيدا ويعتبر عموما عيدا عائليا يجتمع فيه أعضاء الأسرة مع بعضهم البعض .و إلا فلا علاقة لشجرة الصنوبر بالمسيح ،وكان الأولى تزيين النخلة التي ولد عندها المسيح عليه السلام.
متى ولد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام؟
لحد الأن لم يهتد أحد إلى تحقيق اليوم الذي ولد فيه المسيح عليه السلام،و كل ما جاء في ذلك من تعيين اليوم أو الشهر إنما هو مبني عل تقارير وتخمينات واهية.. قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، وما كنت ليدهم إذ يختصمون)[آل عمران فالكتب التاريخية المسيحية و الأديان كلها تفيد أن المسيح لم يولد في الشتاء و كل الدلالات تفيد أنه ولد في أواخر فصل الصيف و بداية الخريف دون تحديد اليوم فالقرآن الكريم يتحدث عن النخل هز جذع النحلة ليتساقط الرطب على مريم عند المخاض، مما يدل على أن التمر كان في مرحلة النضج في مستوى الرطب و هذا يحدث غالبا في شتنبر و أكتوبر. و انجيل لوقا يتحدث عن ملائكة حضرت إلى رعاة كانوا يحرسون مواشيهم لتبشرهم بالميلاد. و نحن نعلم أن حراسة المواشي في الخلاء لا يكون إلا في فصل الصيف بعد الحصاد ،أما في يناير فيستحيل ذلك بسبب البروردة و الثلوج. أما باقي الروايات فمتضاربة لكنها تشكك في كون الميلاد كان في يناير، لأن بعض الأمور المذكورة المصاحبة لمولد صعبة التصديق ، كيف تلد مريم في الخلاء وقت يناير حيث شدة البرودة و الثلوج، و كيف تحتاج إلى الماء الجاد للشرب ( جعل ربك تحتك سريا) الخ...
حقائق يجب ان تفهم :
والحقائق التي يجب أن يعلمها المسيحيون و المسلمون معا هي أن هذه الاحتفالات برأس السنة وثنية جاءت من عادات و تقاليد أمم بدائية وثنية قبل عيسى عليه السلام بقرون. و أن ما يقع فيها من تبذير للأموال و عربدة و اصطدامات و عنف و فسق بعيد كل البعد عن تعاليم الديانتين و لا يرضى عنها لا عيسى و لا محمد عليهما السلام. وعلى المسلمين المستلبين الذين يلهثنون وراء كل ما يأتي من الغرب أن يعلموا أن المسيحيون و اليهود لا يحتفلون بميلاد النبي محمد عليه السلام و لا بهجرته و كثير منهم لا يعترف لا بمحمد ولا برسالة الإسلام. و أخير لنعلم جميعا أن نهاية سنة ميلادية أو هجرية تعني نقصان سنة من المدة التي تفصلنا عن الأخرة . فمامن سنة تنقضي إلا و تنقص من أعمارنا. و لتكن ليلة نهاية السنة هي ليلة كشف حساب أعمالنا التي مضت و التخطيط للسنة أو السنوات القادمة و الاستعداد ليوم الرحيل الذي يأتي بغتة و مامن عام يمضي إلا و يعجل اقتراب آجالنا، فلننظر ماذا قدمنا و ماذا أخرنا. أما ما يدعيه البعض من كون هذا الاحتفال يدخل في إطار التعايش بين اصحاب الأديان، و أن تحريمه جاء من طرف تيارات معينة الإسلامية أو المتأسلمة كما يريد الخصوم أم يقنعوا بها الناس فتلك حجج واهية و لايقبلها عقل، بل ماذكرت هي دلائل تاريخية قبل اإسلام و الإسلاميين، و التعايش بين أصحاب الدينات الأخرى ضمنها الإسلام بنصوص واضحة باحترامهم و معتقدلتهم و ممارسة شعائرهم بحرية و... و التعايش لا يكون باتباع الأخرين، شخصية المسلم شخصية متميزة في كل شيء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يحرض على مخالفة الآخرين في عدة أمور كي يتميز عنهم و اوصى بذلك أتباعه في أكثر من حديث، وحذر من تقليد غيرهم ، و الإسلام دين ناسخ لباقي الشرائع و ما كان منها صالحا فقد أبقى عليها في القرآن و السنة و لا يحتاج المسلم إلى اتخاذ مصدر غير مصادر الإسلام المعروفة، كما أننا بهذه الموضوع لا نحرم و لا نحلل، بل لكل مواطن الحق أن يعيش كما يشاء لكن الهدف هو التحسيس بأن هذا العمل ليس من الإسلام و لم يأمر به، و أننا نومن بكل الأنبياء نعم لكن عيسى عليه السلام نفسه لم يأمر بهذا الاحتفال ، فإذا كان بعض العلماء في بعض البلدان يبدعون حتى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف فكيف بميلاد عيسى عليه السلام. و إذا كان يدل على التعايش فلمذا لا يحتفلون هم بمولد نبينا و أعيادنا الدينية الإسلامية؟ بل لماذا لا يحتفل هؤلاء المسلمون نفسهم بالسنة الهجرية بنفس الطريقة التي يحتفلون بها برأس السنة؟ و إن كان الإسلام نفسه يرفض تلك الاحتفالات الصاخبة و التي تكون سببا للجرائم و أنواع المحرمات و المنكرات.