فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ (152)
يا للتفضل الجليل الودود !
الله جل جلاله .
يجعل ذكره لهؤلاء العبيد مكافئا لذكرهم له في عالمهم الصغير . .
إن العبيد حين يذكرون ربهم يذكرونه في هذه الأرض الصغيرة . .
وهم أصغر من أرضهم الصغيرة !
والله حين يذكرهم يذكرهم في هذا الكون الكبير .
. وهو الله . .
العلي الكبير . .
أي تفضل !
وأي كرم !
وأي فيض في السماحة والجود !
(فاذكروني أذكركم). .
إنه الفضل الذي لا يفيضه إلا الله الذي لا خازن لخزائنه , ولا حاسب لعطاياه .
الفضل الفائص من ذاته تعالى بلا سبب ولا موجب
إلا أنه هكذا هو سبحانه فياض العطاء .
وفي الصحيح: يقول الله تعالى:" من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي , ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه " .
وفي الصحيح أيضا:قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال الله عز وجل:" يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي , وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة - أو قال في ملأ خير منه - وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا , وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا ,وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة . . "
إنه ذلك الفضل الذي لا يصفه لفظ ولا يعبر عن شكره الحق إلا
سجود القلب . .
وذكر الله ليس لفظا باللسان ,
إنما هو انفعال القلب معه أو بدونه ,
والشعور بالله ووجوده والتأثر بهذا الشعور تأثرا ينتهي إلى الطاعة في حده الأدنى ,
وإلى رؤية الله وحده ولا شيء غيره لمن يهبه الله الوصول ويذيقه حلاوة اللقاء . .
(واشكروا لي ولا تكفرون). .
والشكر لله درجات ,
تبدأ بالاعتراف بفضله والحياء من معصيته .
وتنتهي بالتجرد لشكره والقصد إلى هذا الشكر في كل حركة بدن ,
وفي كل لفظة لسان ,
وفي كل خفقة قلب ,
وفي كل خطرة جنان .
والنهي عن الكفر هنا إلماع إلى الغاية التي ينتهي إليها التقصير في الذكر والشكر ; وتحذير من النقطة البعيدة التي ينتهي إليها هذا الخط التعيس ! والعياذ بالله !
ومناسبة هذه التوجيهات والتحذيرات في موضوع القبلة واضحة .
وهي النقطة التي تلتقي عندها القلوب لعبادة الله , والتميز بالانتساب إليه , والاختصاص بهذا الانتساب .
وهي كذلك واضحة في مجال التحذير من كيد يهود ودسها ; وقد سبق أن الغاية الأخيرة لكل الجهود هي رد المؤمنين كفارا , وسلبهم هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم . .
نعمة الإيمان أكبر الآلاء التي ينعم الله بها على فرد أو جماعة من الناس .
وهي بالقياس إلى العرب خاصة النعمة التي أنشأت لهم وجودا ,
وجعلت لهم دورا في التاريخ ,
وقرنت اسمهم برسالة يؤدونها للبشرية ,
وكانوا بدونها ضائعين ,
ولولاها لظلوا ضائعين ,
وهم بدونها أبدا ضائعون .
فما لهم من فكرة يؤدون بها دورا في الأرض غير الفكرة التي انبثقت منها ; وما تنقاد البشرية لقوم لا يحملون فكرة تقود الحياة وتنميها .
وفكرة الإسلام برنامج حياة كامل , لا كلمة تقال باللسان بلا رصيد من العمل الإيجابي المصدق لهذه الكلمة الطيبة الكبيرة .
وتذكر هذه الحقيقة واجب على الأمة المسلمة ليذكرها الله فلا ينساها .
ومن نسيه الله فهو مغمور ضائع لا ذكر له في الأرض ,
ولا ذكر له في الملأ الأعلى .
ومن ذكر الله ذكره , ورفع من وجوده وذكره في هذا الكون العريض .
ولقد ذكر المسلمون الله فذكرهم , ورفع ذكرهم , ومكنهم من القيادة الراشدة .
ثم نسوه فنسيهم فإذا هم همل ضائع ,
وذيل تافه ذليل . .
والوسيلة قائمة .
والله يدعوهم في قرآنه الكريم
فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون). .