من وحي محمد الدرة الى ثلاثة اعزاء
حلم.. رأيت فراشةً بيضاء،
تسحب من فمي نفساً،
وتقلع .. ثم تهوي .. ثم تقلعُ،
ثم تحضنها السماء
وعلى الرصيف ، رأيتُ مطحنة الدماء
ورصاصة تجترّ قتلي
وهي تصرخُ عارية
كالسهم في قلبي
فلم تخطئ.. فلم
تختر سوى قلبي..
سوى نفسي
أبتاه حُضنك دافئٌ
ودمي كذلك دافئٌ
ما بين حضنكَ والدم المسفوح
يمناي استراحت،
والفراشة أصبحت حمراء
كالشفق المهدد بالمغيب
وتصبح يا أبتاه
قد قتلوا الصبيَّ
ومزّقوا حلم المطر
وتشيحُ كفّوا
ثم كفّوا
بعد أن عجنوا العظام مع الدماء
عيدٌ يزّيَن من دمي
هل تذكرون؟
بدمي يصيرُ الخبز عيداً كالجنونْ
أيردُّهم عن عيدهِم كذبُ السلامْ
أم أنهم لا يعرفونَ الموتَ إلا طلقةً وحشيةً،
في الرأسِ
في الحلم الطفولي المقطّع في الإرهاب
أبتاه ما كان النداءُ سوى سرابْ
فالموت أهونُ
لو مُنحتَ العيشَ من عطفِ الذئابْ
هي قصتي..
قصصٌ.. حكايات الطفولة في بلادي
مذ جاءَ ذاك الوحشُ من أسطورة العهد القديم
أبتاه تذكرُ ..
كيف قلتُ لكَ احتضنْ صدري
ورأسي أو يديَّ
ويداكَ ترتجفانِ
صدرُك يعزفُ الخفقاتِ
عزفاً راجفاً
أبتاه تذكرُ..
حين عيناي التقى بهما الضبابْ
عيناي في عينيكَ..
يهمسُ فيها ضوءٌ سيخبو بعد حينْ
رأسي على رجليكَ،
والدمْ صارخٌ
دمُك المصفّى أم دمي؟
يتوحد الدمُ
ليس فرقاً أن يصيرُ كلاهما نهرَ الدماءْ
وصحوتُ يا أبتاهُ
ربَّ يدي تردُ القتلَ عنكَ.. رفعتُها
كفّا بحجمِ طفولتي
ورفعتُها
لكنها سقطتْ
هوتْ
ما كنتُ أحسبُ أن وحشاً
هكذا لم يترك النفسَ الأخير،
يعبئ الصدرَ المدمّى بالهواءْ
وصحوتُ صحوةَ موتي الأخرى
لعلّ يدري
تردُ رصاصةً حمقى
تعيدُ اليكَ مرحلةً
كفٌ بحجم الحلمِ
والحلمُ الصغيرُ يردُ كابوسَ المطاحن والدماءْ.
لا لا تلمني يا أبي.
فأنا عرفتُ
وأنت تعرفُ كيف وزّعتُ الدماء تميمةً
تحميك من كل الجوانب والجهاتْ
لا لا تلمني يا أبي
لو كان لي وقتٌ إضافيٌّ لأرجعتُ الرصاصَ لقاتلي
لكنني ما شئتُ بل شاءَ القدرْ
إن كنتَ يا أبتاه ترقبُ عودتي
فلتنتظرْ..
حتى يصيح الفجرُ قد نطق الحجر
***
أختاه.. قد أزف الرحيلْ
لا تحزني
وإذا مررت بباب مدرستي
وسمعتِ صوتي بين أصواتِ السرايا والفصولْ
قولي: سمعتُ محمداً يحدو ويسبقُه الصهيلْ
قولي : رأيتُ النارَ تلتهمُ الفضاءْ
فيختفي في وهجِها الليلُ الطويلْ
أختاهُ
لا تُخفي ثيابي عن عيونِ الزائرينْ
فالدمُ يسفحُ
ثم يصبحُ جمرةً
والجمر.. إن ثقل الظلامُ سيلهبْ الحزن الدفينْ
أختاه
لا تخفي دموعَكْ خلفَ جدرانِ البيوتْ
فالليلُ يمضي
ثم ينفجرُ النهارْ
فتحفزي انتظري الصباحْ
إن كنتْ في محراب جمركِ تنظرينْ
فتهيئي
حتى يصيح الفجر قد نطق الحجرْ
***
أماه حشرجة المساءْ
أماه همهمةَ العشاءْ
تتذكرين..
بكل وقت حين تصدفُك الحقيبةُ،
حين يلقي دفتري.. قلمي الصغيرْ،
على وسادةِ حلمي المقطوعِ من جنباتهِ
أماه لا تمحي عن الورق الرسوم
أماه لا تمحي بيادرنا الذي سرقوه يوماً
بين غزةَ والجليلْ
هو بيدرُ الجد الذي قتلوهُ غدراً
فوق أنهار البنفسج
وهو يزرعُ في الضحى زيتونةً
أماه لا تحمي عن الورق الفراشةَ
والعصافير البريئة والزهورْ
احتفظي بأوّل صفحةٍ
هل تذكرين؟
هي لوحةُ الأقصى وخيلٍ زاحفاتْ
واللهُ أكبر فوق ناصية الهلال كتبتُها
بالأحمر القاني رسمت حروفَها
وظلالُها كانت شهيداً
عمره عمري
وبسمته تراقصُ بسمتي
ويداهُ مثلُ يديّ
ترتجفانِ تلتحمانِ
بالحلم البعيدِ وبالحجرْ
أماه من دربْ إلى دربٍ تسيرُ بكِ الدموع
هل تنظرين إلى الحواري والمقابر في قرانا،
والمخيم والاساطيح الهزيلة والجموع
هل تنظرين ؟ لكي تواسيك الشموعْ
في كل بيتٍ.. فوق أعمدة المناراتِ الطويلةِ والبيوت في كل زاويةٍ وفي الشرفاتِ
صوتي لن يموتْ
في جمعة الاطفال عند مسيرهم نحو المقابر والحواكير الصغيرةِ
والشواطئ والهضابْ
أماه .. هذا يوُمك المكتوبُ في لوحِ القدرْ
ضحي إلى الصدرِ الحنون وصيتي
قومي اهتفي في كل زاويةٍ زحفَ الشررْ
قومي اهتفي نطق الشجرْ
أنا لم أشاءَ القدرْ
إن كنتِ يا أماه تنظرين عودةَ بسمتي
فلتهتفي
حتى يصيح الفجر قد نطق الحجرْ
نطق الحجر.. نطق الحجر.