الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد قامع الشرك والضلالة ومُظهر الحق والداعي إليه، - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم - تسليماً. أما بعد:
فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أخي القارئ الكريم: ما هي البدعة التي حذر منها الشارع ووصفها بالضلالة؟
البدعة لغة: ما أحدث على غير مثال سابق.
وشرعاً: هي طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشريعة فهي في مقابل السنة وضد السنة.
وإليك أخي المسلم بعض النصوص في شأن البدعة:
1. عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ، وإياكم من محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة } [أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي والحاكم وابن حبان وصححه الألباني في تخريج كتاب السنة].
2. عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة } [رواه مسلم والبيهقي ] وعنده وعند النسائي بإسناد صحيح { كل ضلالة في النار }.
3. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه] وفي رواية لمسلم { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }.
قال ابن حجر - رحمه الله - على كل بدعة ضلالة: " وهذه الجملة قاعدة شرعية فكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدي، وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فمن جوامع الكلم وهو ميزان للأعمال الظاهرة، والمبتدع عمله مردود ولأهل العلم فيه قولان: الأول: أن عمله مردود عليه، والثاني: أن المبتدع رد أمر الله لأنه نصب نفسه مضاهياً لأحكم الحاكمين فشرع في الدين ما لم يأذن به الله ".
وإليك ما ورد في شأن البدعة من كلام بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم " [رواه الطبراني والدارمي بإسناد صحيح].
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " [أخرجه الدارمي بإسناد صحيح].
وقد أنكر ابن مسعود - رضي الله عنه - على قوم جالسين في المسجد ومع كل واحد منهم حصاً وبينهم رجل يقول: كبروا مائة، فيكبرون، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، سبحوا مائة، فيسبحون مائة، وقال: " والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة "، قالوا: ما أردنا إلا الخير فقال: " وكم من مريد للخير لن يصيبه " [أخرجه الدارمي وأبو نعيم بإسناد صحيح].
وهذا هو فهم سلف الأمة لخطر البدعة: فقد قال إمام دار الهجرة مالك - رحمه الله -: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ﴾ [المائدة:3] فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ".
وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: " من استحسن فقد شرع ".
وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: " أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والإقتداء بهم وترك البدعة وكل بدعة ضلالة ".
- خطر البدع:
1 - عمله مردود عليه.
2 - تحجب عنه التوبة ما دام مصراً على بدعته.
3 - لا يرد حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -.
4 - عليه إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة.
5 - صاحب البدعة ملعون.
6 - صاحب البدعة لايزداد من الله إلا بعداً.
7 - البدعة تميت السنة.
8 - البدعة سبب الهلاك.
9 - البدعة بريد الكفر.
10 - البدعة تفتح باب الخلاف الذي لم يُبنَ على دليل بل على الأهواء.
11 - التقليل من شأن البدع يؤدي إلى الفسوق والعصيان.
والأدلة على ما ورد تركنا إيرادها للاختصار وهي موجودة في كتاب [البدعة لسليم الهلالي ص17-49].
- شبهات لمحسني البدع وردها:
1- " ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء ".
أولاً- هذا الحديث لا يصح مرفوعاً بل هو من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقول الصحابي لا يعارض به قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وعلى فرض صحته فيخرج على أن ما رآه جميع المسلمين حسناً فيكون إجماعاً والإجماع حجة ولا حجة لمن رأى استحسان البدع، والإجماع الأصولي المعتبر: هو إجماع أهل العلم في عصر.
وليس من شك أن المقلدين ليسوا من أهل العلم، وأكثر من يعمل هذه البدع هم من المقلدين.
2- قول عمر - رضي الله عنه -: " نعمت البدعة هذه ".
هذا في صلاة التراويح وهي سنة، ولكن عمر لما أقامها جماعة وقد ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - إقامتها على إمام واحد خشية أن تفرض قال ذلك من باب البدعة اللغوية؛ وهو ما لم يكن على غرار سابق فلم تكن في عهد أبي بكر - رضي الله عنه -، أو أن عمر - رضي الله عنه - لما أسرج المسجد واجتمع الناس رأى أن عمله هذا جديد؛ وهو الإسراج، فقال: " نعمت البدعة هذه "، وأيضاً عمر - رضي الله عنه - من الخلفاء الراشدين الذين يستدل بقولهم ما لم يخالفوا النص.
3- { من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء... }
وهذا الحديث له قصة، وهي أنه جاء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوم من مُضر حفاة عراة مجتابي النمار، فلما رآهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمعَّر وجهه لِما رأى بهم من الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب بالناس يحثهم على الصدقة فجاء أحد الصحابة بصرة كادت يده أن تعجز عن حملها فوضعها أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتتابع الناس حتى اجتمع كومان من طعام وثياب فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: { من سن في الإسلام سنة حسنة... } فالسنة أنه أحيا سنة الإنفاق بسخاء وليس هو الذي سن الصدقة.
4- العرف
وهو ما عليه كثير من الناس من بدع تعارفوا عليها وتمسكوا بها لأنها أعرافهم التي أدركوا عليها آباءهم، وهذه هي علة المشركين في جحدهم للحق ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف:23]. والجماعة ليس هم الكثر ولكن الجماعة هم من وافق السنة ولو كانوا قليلين، قال - صلى الله عليه وسلم -: { إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء }، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: { الذين يصلحون إذا فسد الناس } [حديث صحيح]. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: " الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ".
- من أسباب الإبتداع:
1. الجهل بالسنة المطهرة ومصطلح الحديث بحيث لا يميزون بين الصحيح والضعيف فتكثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة مثل بدعة النور المحمدي تعتمد على حديث موضوع ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) وبدعة خلق المخلوقات من أجل محمد - صلى الله عليه وسلم - تعتمد على حديث مكذوب ( لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ) وخفي على واضعه أن محمداً - صلى الله عليه - وسلم لولا الخلق ما بُعث، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء:107].
2. اتخاذ الناس رؤساء جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم ويقولون في دين الله بغير علم.
3. عادات وحلوفات لا يدل عليها شرع ولا يقرها عقل مثل بدع الموالد والمآتم وغيرها.
4. اعتقاد العصمة في الأئمة المجتهدين، وإعطاء الشيوخ قداسة تقارب منازل الأنبياء.
5. اتباع المتشابه من الآيات والأحاديث وعدم ردها إلى المحكم.