الحب الحقيقي
" الحب صابر عطوف.. الحب ليس غيورا أو مختالا أو متكبرًا.. الحب ليس سيئ الخلق، أو أنانيا أو سريع الغضب.. الحب لا يحتفظ بسجل للأخطاء.. الحب ليس سعيدا مع الشر، ولكنه سعيد مع الصدق.. الحب لا يستسلم أبدا، فولاؤه وأمله وصبره لا يصيبهم الإخفاق مطلق.. هناك الولاء والأمل والحب .. هذه ثلاثة، ولكن أعظم الثلاثة هو الحب ".
وهكذا انتهى الأمر إلى أن يعرفه البعض على إنه حالة من الوجد أو الجذب. ويراه الشاعر إنه حالة بهجة أو وهم مبالغ فيها، والفيلسوف يحاول أن يحلله بطريقته العقلانية، نقطة نقطة، وغالبا بأسلوب غامض.. ويظل الحب لا ينطبق بشكل كامل على واحد من هذه القوالب، لإنه قد يكون جميعها فى وقت واحد، حالة من الوجد ونشوة الروح، وحالة من البهجة والسرور، وحالة من الوهم والخيال، وحالة عقلانية أو حالة غير عقلانية.
فالحب أشياء كثيرة، ربما لدرجة لا يمكن أن تكون حاسما نحوها فتحددها فى كلمة أو كلمات، لذلك فإن الشخص الذى يحاول تعريفه يتعرض لخطر الانتهاء إلى أن يكون غامضا مشتتًا، ولا يصل إلى شىء.
من الواضح أننا لكى نعرف الحب فإننا نجلب مشكلات ضخمة، لأن المرء ينمو فى الحب، ولهذا يتغير تعريفه ويتسع. ولكن هناك أشياء معينة يمكن أن تقال عن الحب، وعناصر عامة معينة يمكن بحثها، قد تساعد على توضيح الموضوع للمناقشة، والمشاركة فى بعض الأفكار المتعلقة بأوجه الحب.
الحب هو رد فعل انفعالى مكتسب بالتعلم. إنه استجابة لمجموعة من السلوك والمنبهات المكتسبة بالتعلم، ويتأثر مثل كل السلوك المكتسب بالتعلم، بتفاعل المتعلم مع محيطه، وبمقدرة الشخص التعليمية، ونوع وقوة المدعمين الحاضرين( أى الناس) يستجيبون، ويعرف إلى أية درجة يستجيبون لما يعبر عنه من حب؟
الحب هو تفاعل ديناميكى يعيش كل ثانية من حياتنا.. كل حياتنا.. لذلك فهو في كل مكان و في كل وقت. والمرء ينمو في الحب، وكلما زاد تعلمه، زادت فرصته في تغيير استجاباته السلوكية، وبالتالى تتسع قدرته على الحب. والإنسان إما إنه ينمو بشكل دائم في الحب، أو يموت.. لذلك سوف تظل أعماله وتفاعلاته في تغير مستمر طوال حياته.
إن الحب موجود بنمط ما، وبدرجة ما، لدى كل انسان متحضر، كما أن هناك أيضا قاعدة للحب، وقوة كامنة للنمو فى الحب فى كل انسان. فالحب أذن هو عملية بناء على ما هو موجود من قبل.. والحب لا يكتمل في الشخص، فإن حبه يكون على مستوى مختلف من التطور وممن عملية المواءمة، ومن الحمق أن نشعر أن حب الانسان قد تحقق كلية، فالحب الكامل نادر فى الحقيقة، ولسوف يكون من المستغرب أن يحققه أى انسان. وليس معنى هذا إنه ليس ممكنا، وأنه ليس هدفا يستحق أن يسعى إليه باخلاص ومعاناة.. إنه فى الحقيقة التحدى الأكبر لنا، لأن الحب والذات شيء واحد، واكتشاف أيهما يعتبر تحقيقا لكليهما.
والحب يعنى أن نسلم أنفسنا بدون ضمان، أن نستودعها من نحب، على أمل أن حبنا سوف يُنتج حبا فى قلب المحبوب، فالحب مسلك إيمانى، ومن يكن إيمانه قليلا فحبه أيضا قليل، والحب الواثق هو الذى يعطى كل شيء ولا يتوقع شيئا، وسيسره ويبهجه بالطبع أن يأخذ أى شئ يقدم له، وكلما زاد العطاء كان أفضل، لكنه لا يطلب شيئا، إذا لم يتوقع المرء شيئا ولم يطلب شيئا، فإنه لن ينخدع أو يخيب رجاؤه أبدًا.
إنه الحب حقا عندما يعطى المحب بدون توقع الأخذ، فمثلا، لا يمكنك أن تصر على أن يرد لك الشخص الذى تحبه حبا بحب، بل إن الفكرة مضحكة، ومع ذلك، وبغير وعى، فإنها الطريقة التى يعيش بها معظم الناس..ذا أحببت بصدق، فليس أمامك إذن الا أن تؤمن، وتثق، وتقبل، وتأمل أن حبك سيرتد إليك. ولكن لا يمكن أن يكون ثمة أى تأكيد ولا أى ضمان أبدًا، واذا انتظر الانسان ألا يحب إلا عندما يتأكد من الحصول على حب معادل فى المقابل، فقد ينتظر إلى الأبد.. وفى الحقيقة، فإنه إذا أحب الشخص وفى نفسه أى توقع لما يقابل حبه، فمن المؤكد أن يخيب رجاؤه فى آخر الأمر، لأنه ليس من المحتمل أن يستطيع معظم الناس أن يشبعوا كل حاجاته مهما كان حبهم له عظيمًا.
فالحب الحقيقى يبدع دائما، ولا يدمر أبدًا، وفى هذا فقط يكمن رجاء الإنسان.