الدكتور حسن عبد الله
مشكلتنا اننا نادرا ما نستخلص العبر والدروس من تجاربنا ، ومما نتعرض له من اعتداءات، أو جراء اخفاقاتنا الذاتيه ، لذلك نعود لنذبح انفسنا باخطائنا ومآسينا، دون ان نلامس جوهر الخلل. فالمفاوضات مثلا تعيد نفس الصور وتنتج الاخطاء ذاتها، حيث ترانا ندور في دائرة مغلقه لا نتجاوزها.
والانقسام الداخلي افرزته ظروف موضوعيه معينه، لكن كان للعامل الذاتي والحسابات الذاتيه الفئويه نصيب الأسد في ذلك . فلا حماس اصابت ما ارادت وجعلت القطاع ساحة لبناء تجربة جديدة تصنعها وفق رؤياها وفهمها، ولا السلطة في الضفه قادرة على تحقيق اهدافها المعلنه من المفاوضات، لان اسرائيل دائما تضع جدارا امام المفاوض بحجم جدار الفصل العنصري الذي حول مدننا وقرانا الى سجون حقيقية .
ومن الخطأ بل من الخطيئة الاستمرار هكذا بلا تقييم ودون الوقوف بجرأة عند الاخطاء، ففي التجارب الديمقراطية الحقيقية، تحاسب الاحزاب نفسها حينما تخفق او تكبو، وكثير من رؤساء الاحزاب يستقيلون اذا ما فشلت احزابهم في انتخابات معينة. لكن في تجربتنا يظل الامين العام امينا عاماً ما دام قادرا على التنفس واصدار الاوامر وحتى لو كان حزبه يتراجع كل يوم ، وحتى لو كانت قوة حزبه قبل عشر سنوات اضعاف ما هو عليه الان ، الا من بعض الاستثناءات المحدودة في ساحتنا . والشعار الذي يجيزكل شئ بما في ذلك تخليد المسؤول اننا في مرحله تحرر وطني ، وكأن هذه المرحلة باتت تشكل جواز سفر مفتوح للاخفاقات والتجاوزات.
حينما اعاد الاحتلال نشر قواته من قطاع غزه، هلل البعض بأن القطاع قد تحرر مئه في المئه ، وراحت كل جهه ترجع ما جرى لها، وتصرف الكثيرون على ان الامور في القطاع هي على ما يرام، وصدق العالم ان اسرائيل انسحبت من القطاع ، وان هذا الجزء من فلسطين بات حرا طليقا قادرا على فعل ما يريد. ومع اننا لا نقلل من شأن ان الاحتلال .بشكله القديم في القطاع اضطر الى التراجع والانكفاء.
بيد ان سؤالا يطرح نفسه بالحاح في هذا الاطار، لماذا اسهمنا في التصدير للعالم ان القطاع قد استقل تماما، وتناسينا ان مفاتيح بواباته في يد الاحتلال ، وان المريض لا يستطيع أن يغادر للعلاج الا بموافقة الاحتلال، وأن الامدادات البتروليه والغذائيه مرتبطه بالاحتلال، وان سماء قطاع غزه مستباحه، وان ارضه باتت مسرحا لاجتياحات وتوغلات يوميه، ليأتي الحصار الاخير ويؤكد لمن هو بحاجة الى تاكيد ان القطاع محتل، لكن باسلوب اكثر قساوه ولؤما وغطرسه. ولولا المتنفس الذي سمحت به مصر مؤخرا، والذي من خلاله استطاع القطاع ان يستمر حيا، لوجدنا مليون ونصف فلسطيني يتضورون جوعاً على مرأى ومسمع العالم الذي يصر على ان ينعت نفسه بالمتحضر. قلة من السياسيين غردوا حينذاك خارج السرب وقالوا امام عدسات التلفزه، ان القطاع تحول الى سجن كبير، وان ما يفصله عن الاستقلال الحقيقي مسافه طويلة، ينبغي قطعها وفق حسابات دقيقه في مقدمتها الحفاظ على وحدة الساحه بعيدا عن الانقسامات ونهج الاقصاء والتفرد.
الحصار الاخير يجب ان يكون بمثابة المنبه للأطراف على الساحة الفلسطينية، و لمن يمسكون بزمام الامور في القطاع وفي الضفة على حد سواء، والاسراع الى انتزاع فتيل التوتر والصراعات الداخلية، بعد ان تيقنا اننا في سجن كبير، وما دمنا نقبع في الاسر مواطنين وفصائل ومسؤولين، لماذا لا نتصرف كما يتصرف الاسرى في سجونهم ومعتقلاتهم الصغيرة. يتصدون بصبر لكل ما يعترض وحدتهم، بالحوار والنقاش الديمقراطي، وبذلك لا يغيب عن بالهم لحظة واحده ان مفتاح صمودهم هو وحدتهم الداخليه.
نحن في الضفه والقطاع ننسى او نتناسى اننا اسرى في سجن بحجم الوطن، ونتصرف وكأننا ابطال معصومون عن الاخطاء، وبالتالي تفرخ اخطاؤنا في كل يوم اخطاءً جديدة وتستمر المأساة دون ان نستخلص العبر