حوار مع القمر
في إحدى اليالي وأنا اتأمل في السماء لفت نظري القمر في أوائل أيامه
فقلت ما أجملك أيه القمر فرغم صغر حجمك
إلا أن الجميع يترقب ميلادك ويفرح بقدومك ورؤية نورك
فرد علي قائلاً أتحسديني على صفة هي من صفاتكم أنتم البشر
فقلت في تعجب: من صفاتنا !
قال نعم ان وجه الشبه بيني وبينكم كبير فأنا كما ترين أولد صغيراً ضعيفاً
كذلك الطفل منكم يولد صغيراً ضعيفاً
قلت لكن نورك يلفت الأنظار إليك ويسعد من يحبك
فلا يبالي بصغرك وضعفك بل يستمتع بجمالك ونورك
قال وكذلك أنتم البشر فمولودكم يراه من يحبه نورا يضيئ حياته
غير أن نوري لا يظهر إلا في الظلام
اما نور الطفل منكم فهو يبقى دائماً بين يدي من يحبه
قلت لكن نورك يراه الجميع ونور الطفل لايراه إلا والديه ومن يحبه
قال هذا ماتظنينه لكن الواقع اني أولد وأكتمل وأرحل
ولم يشاهدني إلا قلة من المحبين لمشاهدتي
وأغلبية البشر لا يهتم لوجودي أو رحيلي
أرأيتي كم أشبهكم
بقيت أياماً أتفكر في هذا الشبه
وفي يوم اكتماله بدراً كنت أتامل جماله ونوره
فناداني قائلاً صدي بنظرك عني
فإني لا أحب أن تطيلي النظر إلي
فتشاهدي هذه البقع الداكنه على وجهي
ليت وجهي صافياً نقياً مثل وجوهكم
فقلت ما أطيبك أيه القمر
أتستحي من تلك البقع البسيطه على وجهك
والتي لا تؤثر في جمالك وبريقك
ألا تعلم ان الكثير منا يحمل داخله بقع سوداء كقطع الليل المظلم
ألا أتعلم ان هذا السواد لا يؤثر على حامله فقط
بل يمتد سواده ليدمر ماحوله
ولايستحي أو يخجل من ذلك السواد
وأن هذا السواد يكون في أوجه عند اكتمال صحته
وقوته فلا يغرك صفاء الوجوه
فكم من وجه شديد البياض
يحمل قلبا أشد سواداً من ريش الغراب
فلا تبتئس من هذه البقع الداكنة التي تزيدك جمالاً وروعة
وبعد ليال سمعت صوت القمر يتأفف
فنظرت إليه وقلت مابك لماذا كل هذا الحزن؟
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | هذه الصورة تم تصغيرها . إضغط على هذا الشريط لرؤية الصورة بحجمها الطبيعي . أبعاد الصورة الأصلية 800x600 . |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قال ألا ترين ما آل اليه حالي
فبعد اكتمالي بدراً وزهوي بجمالي وقوة نوري
ها أنا ذا أعجز عن بث نوري
وأعود الى صغري وضعفي ألا يدعو هذا للحزن
فقلت انت احسن حالاً منا نحن البشر
فأنت لا تحتاج الى احد في ضعفك
اما نحن فنحتاج في ضعفنا الى من يعتني بنا فتكون
صدمتنا كبيرة في من اعتنينا بهم سنين طولية
بكل رضا وسعادة فنجدهم يتأففون من خدمتنا
والعناية بنا فنراهم يتهربون من واجباتهم تجاهنا
فنشعر بالثقل عليهم بل على الحياة بأسرها
هذا هو الشعور المحزن فالضعف بحد ذاته ليس محزن
إنما المحزن هي أفعال البشر إلتفت إلي وقال الوداع فالليلة آخر ليلة أظهر فيها إنتظري عودتي في رحلة جديدة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]فقلت كم أحسدك على رحلتك ورحيلك
فرحلتك امتدت من مولدك الى رحيلك
وانت لم تعص الله قط وتسير في الفلك الذي اراده الله لك
دون عصيان أو ذنوب وستعود عودا يسيراً
ليس فيه حساب أو عقاب
أما نحن البشر فلا تشابه بينناو بين القمر
فرحلتنا مزيج بين الذنوب والعصيان
وجمع الحسنات والإحسان
ونبقى تحت رحمة الملك المنان
فيوم الحساب إما إلى فسيح الجنان
أو جحيم النيران فنسأل الله العفو والغفران
وانتهى الحوار بين القمر والإنسان حوار فكر لا لسان
ودمت في حفظ الرحيم الرحمن