بدأت المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط تنعكس بصورة قوية على السياسية
الإسرائيلية وخصوصا بعد فقدان (إسرائيل) لحلفائها وصعود ألد خصومها إلى سلم
السلطة والمتمثلين في الحركات الإسلامية، ناهيك عن فقدان الإدارة
الأمريكية لقوتها السياسية في المنطقة والتغلغل التركي والروسي فيها،
بالإضافة إلى تشكل رأي عام شعبي عربي معادي (لإسرائيل) بدأت تغذيه الثورات
العربية، و تعطي العمليات المتتالية لتفجير خط الغاز الواصل بين (إسرائيل)
ومصر صورة سيئة عن السيطرة الأمنية المصرية على سيناء التي تقع على مسافة
طويلة من الحدود بين الطرفين، وكذلك وجود قوة إسلامية بدأت تظهر في مصر
تطالب بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد مع (إسرائيل)، وكذلك مطالبات الإسلاميين
في الأردن بإلغاء اتفاقية وادي عربة بين (إسرائيل) والأردن.
وما نحن معنيون بالحديث عنه هو أن (إسرائيل) دائماً تمتلك خطط للعمل ولم
تقف في موقع المتفرج على ضياع مستقبلها في وسط محيط يغلي، فهي منذ زمن تمد
ذراعها الأمنية والاقتصادية لإفريقيا وفي هذا الوقت التي تمر به الأمة
بفترة تحول، تسعى الحكومة الإسرائيلية لإنشاء حلف جديد يساندها بدلًا من
الحلف الذي سقط بسقوط نظام الرئيس المصري محمد حسنى مبارك وكذلك استعدادها
لشن حرب ضد إيران للحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة.
وتذكر في هذا الصدد صحيفة "معاريف" في تقرير نشرته قبل شهر أن رئيس
الوزراء اليميني "بنيامين نتنياهو" يسعى إلى إقامة حلف مع دول "مسيحية" في
القارة الإفريقية. و يوم الأربعاء 7 ديسمبر نشرت الصحيفة تقرير قالت فيه إن
"نتنياهو" يخطط لزيارة دولة جنوب السودان في إطار جولة إفريقية خلال
الفترة القادمة.
ويعتقد أن المساعي التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في أفريقيا تهدف إلى
تقوية محور جديد معادي للحلف الإسلامي الذي ينشأ في منطقة شمال إفريقيا،
والتقى "نتنياهو" مع رئيس الوزراء الكيني "ريلا أودينغا" والرئيس الأوغندي
"يوآري موسباني" اللذين يزوران (إسرائيل) على بمناسبة انعقاد مؤتمر المياه
الدولي, وفي وقت سابق اجتمع "نتنياهو" على هامش افتتاح الجمعية العامة
للأمم المتحدة في نيويورك بالرئيس الجديد لدولة جنوب السودان.
وتذكر الصحيفة نقلاً عن مسؤول إسرائيلي إن كلا الطرفين يجمعهما الخوف من
المد الإسلامي القادم إلى المنطقة، وتشير أيضاً نقلا عن مسؤول أخر أن
التعاون مع الدول الإفريقية سيستمر في المستقبل في ظل النظام العالمي
الجديد.
ولفتت الصحيفة إلى أن حراكًا دبلوماسيًا شهدته الشهور الماضية في هذا
الاتجاه تمثلت في زيارات متبادلة واجتماعات تنسقها شعبة أفريقيا في وزارة
الخارجية الإسرائيلية المسئولة عن تنظيم ومعالجة هذه الزيارات.
وتقدم (إسرائيل) مساعدات عسكرية، وأمنية، وزراعية، وفي مجال البنية
التحتية، وتؤكد معاريف أن (إسرائيل) أصبحت لاعباً محورياً في الصراع الدائر
بين الجيش الكيني وجماعة الشباب المجاهدين الإسلامية في الصومال المحتل.
وكان رئيس الوزراء الكيني قد طلب من الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيرس"
مساعدة بلاده في حربها مع الصومال, وأكد "بيرس" "أن إسرائيل رائدة في مجال
الأمن الوطني وأنها ستكون سعيدة في تقاسم المعرفة مع كينيا في مجال الحرب
على الإرهاب".
وأعلنت كينيا أن الجيش الإسرائيلي سيقوم بتدريب وتسليح الجيش الكيني،
ويشار إلى أن كينيا قد اجتاحت الصومال قبل ستة أسابيع بهدف تصفية حركة
الشباب الصومالية المقربة من تنظيم القاعدة, وإقامة دولة جديدة باسم "جوف
لاند" تصبح فيما بعد شريط أمني تمنع المتسللين إلى كينيا وتسمح للكينيين
التخلص من آلاف اللاجئين الصوماليين المزدحمين في معسكرات على أراضي كينيا.
ويدور الحديث أيضا عن أن العلاقات التي تقيمها (إسرائيل) تقتصر على الدول
الأفريقية التي تقع في إطار منبع النيل التي تتقاسم معا بحيرة فكتوريا،
ويتوقع أن تخرج بعثة مشتركة من ألمانيا و(إسرائيل) حتى نهاية العام لمناقشة
مشاريع مشتركة لمساعدة المجتمع المدني, وهي المرة الأولى التي تخرج إلى
المنطقة بعثة على المستوى الوزاري الإسرائيلي الألماني.
الاقتصاد العربي الإسرائيلي:
وفي تقرير نشره موقع "عكا" لمتابعة المستجدات في الشأن الإسرائيلي أن قطار
التطبيع الذي كانت تسير على سكته الدول العربية و(إسرائيل) بدأ يفقد
مساره، وينعكس هذا الأمر على التعاون العسكري والاقتصادي والأمني بين
الطرفين، وعلى سبيل المثال فإن مركز أبحاث تابع للكونغرس الأمريكي أصدر
تقرير اقتصادي أوضح فيه أن نسبة التجارة بين (إسرائيل) وكل من مصر والأردن
تشكل 92.7% من إجمالي التجارة العربية مع (إسرائيل).
وفي دراسة أخرى لمعهد التصدير الإسرائيلي، فقد بلغ حجم الصادرات
الإسرائيلية خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2005م، بنسبة ارتفاع بلغت
26%، قياسًا بالفترة ذاتها من عام 2004م، ليتجاوز حجم هذه الصادرات في هذه
الفترة 171 مليون دولار.
وأشار التقرير إلى أن 66 شركة إسرائيلية قامت بتصدير منتجاتها إلى العراق،
حيث بلغ حجم هذا التصدير في النصف الأول من العام الماضي 3.7 ملايين
دولار. وذكر أن حجم التصدير إلى تونس ارتفع بنسبة 145%، مقابل الفترة نفسها
من عام 2004م، ونسبة التصدير إلى المغرب ارتفعت بنسبة 43% خلال نفس
الفترة، وبلغ حجم الصادرات الإسرائيلية 10 ملايين دولار أمريكي. وأن هناك
123 مؤسسة إسرائيلية تعمل في مصر، بما يشكل ارتفاعًا بنسبة 9% مقارنة مع
عام 2004م. وقد ارتفع حجم التصدير الإسرائيلي إلى مصر بنسبة 189% وبحجم بلغ
64.6 مليون دولار. وبصورة عامة فإن التجارة العربية الإسرائيلية تقدر بــ
400 مليون دولار على أقل تقدير.
وبالعودة إلى موضوع المساعدات العسكرية لدول إفريقيا فقد كشف النقاب
مؤخرًا عن اعتزام (إسرائيل) إنشاء قاعدة جوية في ولايتي الوحدة وأعالي
النيل بجنوب السودان. وقد أثارت هذه الأخبار مخاوف من أن يتطور تعاون عسكري
بين الطرفين ما يشكل خطرًا على دولة السودان وعلى الدول المجاورة. تأتي
هذه الأنباء بعد أيام قليلة على زيارة وفد إسرائيلي لمدينة جوبا ناقش إقامة
علاقات دبلوماسية ومشروعات مشتركة.
السياسة الإسرائيلية تجاه أفريقيا تعود إلى واحد من أقدم أعمدة
الإستراتيجية "الإسرائيلية" التي رأت أن حصر المعركة مع العرب في الجبهة
الحدودية الضيقة لا يخدم "إسرائيل" لأسباب كثيرة، ولذلك لابد من توسيع هذه
الجبهة.
وتؤكد (إسرائيل) على ثلاث أدوات رئيسية لتعميق هذا التحالف تتمثل في
المساعدات الاستخبارية والتدريبات العسكرية في مجال تدريب قوات الشرطة
وقوات الحرس الرئاسي.
وثاني هذه الأدوات هو المساعدات الفنية في مجال نقل المهارات التقنية
وغيرها عن طريق برامج تدريبية معينة، وتزويد الدول الأفريقية بخبراء
إسرائيليين، وإنشاء شركات مشتركة أو على الأقل نقل الخبرات والمهارات
الإدارية للشركات الأفريقية.
وثالثًا تجارة السلاح والألماس فطبقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن هناك
تورطاً لشركات إسرائيلية ولتجار إسرائيليين في التجارة غير المشروعة
للألماس.
وتنتعش الخزينة الإسرائيلية من عقود السلاح التي تبرمها مع تلك الدول، فهي
تعقد صفقات تدر عليها مليارات الدولارات في دول توصف بأنها ممالك تجار
الحروب.
وبحسب تقرير إسرائيلي فإن التوجه الإسرائيلي نحو أفريقيا نابع من إدراك
الساسة هناك بأهمية هذا الملف في التأثير على الصراع العربي الإسرائيلي من
عدة محاور وهي كالآتي:
• ثقل الصوت الأفريقي في الأمم المتحدة.
• إمكانية التأثير عبر تلك الدول على عدد من الدول العربية ذات الموقع
الإستراتيجي كمصر والسودان اللتان تعتمدان على نهر النيل كشريان حياة أساسي
يمدهما بالماء.
• إمكانية التأثير على معظم الدول العربية الإفريقية وذلك من خلال تفعيل
القلاقل فيها عبر مد بعض القبائل بالمال والسلاح، وإشغالها في وضعها
الداخلي بدلا من قضية العرب الكبرى "فلسطين"، وما نراه يحدث في الصومال و
السودان خير نموذج على ذلك.
و يعول في هذه المرحلة كثيرًا على الدول العربية لاستعادة دورها في هذا
الأمر وأهمها المخابرات المصرية التي تعتبر إفريقيا حديقتها الخلفية، و
كذلك المستثمرين العرب والدول الخليجية التي يجب أن تسيطر باقتصادياتها على
تلك الدول قبل أن تسيطر عليها (إسرائيل) ونعود لنكرر المثل القائل "أكلنا
يوم أكل الثور الأبيض".
وما نحن يصدده اليوم هو أننا بحاجة إلى توعية سياسية كبيرة لكي نستوعب حجم
المؤامرة المحيطة بنا، وإن كانت الشعوب قد فقدت الأمل في أنظمتها
السياسية، فإن الواجب الشرعي يحتم علينا أن نقول بأن الاستثمارات
الاقتصادية التي تستثمر في أفريقيا والعمالة الإفريقية التي تعمل في بلادنا
يجب أن يكون مقابلها ثمن سياسي ترغب عليه الدول الإفريقية، ويجب أن تسترجع
الأمة الإسلامية دورها في هذا الملف، وأن تتنبه لأن السيطرة الإسرائيلية
على أفريقيا من شأنها أن تهدد سلامة الأمة و تبنى عدواً جديداً للأمة يهدد
أمنها القومي ومستقبلها.
المصدر: إعداد مجلة البيان