قال الله تعالى:" إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ومِنَ الصَّالِحِينَ". ءال عمران 45- 46 .
خَلَقَ اللهُ عيسى من غير أبٍ ، فقد جاء في القرءان العظيم:" إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ". ءال عمران 59.
وأمُّه مريم التي وصفَها اللهُ تعالى في القرءان الكريم بالصدّيقة والتي نَشَأت نَشْأةَ طُهرٍ وعفافٍ وتربّتْ على التقوى تؤدّي الواجبات وتُكثر منْ نوافل الطاعات والتي بشّرتها الملائكة باصطفاءِ الله تعالى لها منْ بين سائرِ النساء وبتطهيرها من الأدناس والرذائل. قال تعالى:" وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ" .ءال عمران 42.
وذاتَ يومٍ خرجتْ مريمُ الصدّيقة مِن محرابها الذي كانتْ تعبدُ الله تعالى فيه فأرسل اللهُ إليها جبريلَ عليه السلام مُتشكّلاً بشكلِ شابٍّ أبيضَ الوجه.
وللملاحظةِ إخوة الإيمان، الملائكةُ ليسوا ذُكورًا ولا إناثًا إنما يتشكّلونَ بهيئةِ الذُّكورِ من دونِ ءالةِ الذكورية ولا يأكلون ولا يشربون لا يتناكحون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون.
مريمُ لَمّا رأتْ جبريلَ عليه السلام مُتشكّلاً في صورةِ شابٍّ أبيض الوجه لم تعرفْه ففزِعتْ منه واضطَرَبَت وخافتْ على نفسِها منه وظنتْه إنسانا جاءَ لأمر سيء، فقالت ما أخبر الله به:" قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا " سورة مريم/18. أي إن كنت تقيا مطيعًا فلا تتعرضْ إليَّ بسوء.
فقالَ لها إنَّ اللهَ أرسلَه إليها ليهبَها ولدًا صالحًا طاهرًا منَ الذنوب. فقالت مريم: أنَّى يكون لي غلامٌ ولم يقربني زوجٌ ولم أكنْ فاجرةً زانية؟ فأجابها جبريلُ عليه السلامُ عن تعجّبِها بأنّ خَلْقَ ولدٍ من غيرِ أبٍ سَهلٌ هيِّنٌ على الله تعالى، وجعلَه اللهُ علامةً للناس ودليلاً على كمالِ قدرته سبحانه وتعالى وليجعلَه رحمةً ونعمة لمن اتّبعه وصدّقه وءامن به .
يقول رب العزّة في القرءان العظيم:" فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا . فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا . فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا . وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا". سورة مريم 22-23-24-25-26.
نفخ جبريل عليه السلام في جيبِ دِرعها وهي فتحةُ القميص عند العُنُق، فحملت بعيسى عليه السلام،
ثم تنحت بحملها بعيدًا خوف أن يعيّرَها الناس بولادتها من غير زوج، ثم ألجأها وجع الولادة إلى ساقِ نخلة يابسة وتمنّتِ الموت خوفًا من أذى الناس ، وناداها جبريلُ عليه السلام من مكان من تحتها من أسفل الجبل يُطمئنُها ويخبرها أنّ الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرا ويطلبُ منها أن تهُزَّ جذع النخلة ليتساقطَ عليها الرطب الجنيّ الطريّ وأن تأكل وتشرب مما رزقها الله وأن تقرّ عينُها وأن تقول لمن رءاها وسألها عن ولدها إني نذرت للرحمن أن لا أكلّم أحدًا .
أتتِ السيدة مريم عليها السلام قومَها تحمل مولودَها عيسى عليه السلام على يدِها في بيت لحم. كما أخبرنا الله عز وجل:" فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا ". مريم/27 .
قالوا لها: لقد فعلتِ فِعلة منكرةً عظيمة، ظنوا بها السوء وصاروا يوبخونها ويُؤذونها وهي ساكتة لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمن صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام، أنْ كلِّموه، عندها قالوا لها ما أخبر الله به بقوله:" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا". مريم/29 .
عند ذلك أنطق الله تعالى بقدرته سيّدَنا عيسى عليه السلام، وكان رضيعًا." قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ". أول كلمة قالها عيسى عليه السلام، إني عبد الله، اعتراف بالعبودية لله العزيز القهار، هذا أول ما نطق به عليه السلام وهو في المهد قال: " إِنِّي عَبْدُ اللهِ " وقوله:" وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا " أي جعلني نفاعًا معلّمًا للخير حيثما توجهت.
قال الله تعالى في القرءان العظيم:" وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ". سورة الصف/6 .
دعا عيسى قومَه إلى الإسلام إلى عبادة الله وحدَه وعدمِ الإشراك به شيئًا ولكنهم كذّبوه وحسدوه وقالوا عنه ساحر ولم يؤمن به إلا القليل .
والله أعلم.
.