fareslove المدير العام
اللقب : أبو برهان المشاركات : 22454 العمر : 39 الإقامة : منتدى الأصدقاء نقاط التقييم : 458 نقاط التميز : 2620
| موضوع: واخفض لهما جناح الذل من الرّحمه ((هام لكل واحد فينا)) الجمعة 19 نوفمبر - 18:04 | |
| الحمدلله , القائل : ( وَقَضَى رَبُكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلَّا إِياَّهُوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) [ الإسراء : 23 ] . , فقد رفع منزلتهماإلى منزلة عظيمة , حين قرن بين حقه – سبحانه – وحقهما . فجعل الإحسانإليهما , وبرهما عقيدة يثيب ويعاقب عليها , وأنزلها في أعلى مراتب الحقوقالشرعية , بعد حقه في الوحدانية ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ . وإذا كان الحق العظيم – سبحانه - يوصي بالوالدين , فأي حد من البر يكافئ هذه الوصية ؟! وأي إحسان لهما يوازي هذا الإحسان من الله لهما , حيث أنزلهما بهذه المنزلة ؟! يقول ابن عباس : ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث , لا يقبل الله منها واحدةبغير قرينتها , إحداهما قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُواالرَّسُولَ ) [ النساء : 59 ] : فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه, الثانية : قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )[النور : 56 ] فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه , الثالثة : ( أَنِ اشْكُرْلِي وَلِوَالِدَيْكَ ) [ لقمان : 14 ] فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لميقبل منه . وكم ممن وقف في هذه الحياة مواقفاً , وكم من الأعمال عمل لهما , ويظن بنفسه الخير في برهما , وهو قد عقهما من حيث لا يشعر ! وكم ممن انغمس في زهرة الدنيا , وانشغل عنهما , وقد زينت له نفسه أنه على حق ! وكم من الجرائم التي يشيب منها الرأس ارتكبت في حق الآباء , من أبناءعاقين , زين لهما الشيطان سوء عملهم , فرأوا أن الانتقام منهما – مهماكانت الأسباب – حق شخصي ! فما أعظمه من ذنب ! وما أشده من جرم ! , أن نرى أم قد وهن العظم منها لكبر سنها,أفنت زهرةشبابها في الحمل , والولادة , والتربية , وعانت ما عانت . وأب قد فقد زهرةشبابه في تربية أبنائه , وعرض نفسه للمشقة الجسدية في العمل , وتحملالضغوط والأذى النفسي, ليوفرا لأبنائهما الحياة الكريمة . ثم لم يجدا إلاالأذى والعقوق ! . حقاً , إن برهما أعظم عبادة يتقرب بها المرء لربة , بعد الإيمان به – سبحانه - . وإن عقوقهما , أعظم جريمة – بعد الشرك – يعصى بها الله على وجه الأرض . وأقل ما يجب علينا أن نذكر بهذا الحق , فلعل النفس تصلح ما قصرت فيه ,ولعل الغير يستفيد فيثيب الله والدينا بالأجر والمثوبة من طباعة هذاالكتيب . وما بين البر والعقوق ,سنتأمل في قوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِياَّهُ وَبِالْوَالِدَيْنِإِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْكِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفِّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَاقَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِ مِنَ الرَّحْمَةِوَقُل رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَيَانِي صَغِيراً ) [ الإسراء : 23-24] قال الشيخ السعدي في تفسيره " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ": ( وقضى ربك ( قضاء دينياً , وأمر أمراً شرعياً )أن لا تعبدوا ( أحداً منأهل الأرض والسموات الأحياء والأموات . ) إلا إياه ( لأنه الواحد الأحد ,الفرد الصمد , الذي له كل صفة كمال , وله من تلك الصفة أعظمها على وجه لايشبهه أحد من خلقه . وهو المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة , الدافع لجميعالنقم , الخالق , الرازق , المدبر لجميع الأمور , فهو المتفرد بذلك كله ,وغيره ليس له من ذلك شيء . ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين , فقال : ) وبالوالدين إحساناً ( أي :أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان , القولي والفعلي , لأنهما سبب وجودالعبد , ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه , والقرب , ما يقتضي تأكدالحق ووجوب البر )إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ( أي : إذا وصلاإلى هذه السن , الذي تضعف فيه قواهما , ويحتاجان من اللطف والإحسان ما هومعروف . ) فلا تقل لهما أف (وهذا أدنى مراتب الأذى , ونبه به على ما سواه, والمعنى لا تؤذهما أدنى أذية . ) ولا تنهرهما (أي : تزجرهما , وتتكلملهما كلاماً خشناً , ) وقل لهما قولا كريما (بلفظ يحبانه , وتأدب وتلطفبكلام لين حسن يلذ على قلوبهما , وتطمئن به نفوسهما , وذلك يختلف باختلافالأحوال والعوائد والأزمان . ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ( أي : تواضع لهما , ذلاً لهما ورحمة ,واحتساباً للأجر , لا لأجل الخوف منهما , أو الرجاء لما لهما , ونحو ذلكمن المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد . ) وقل رب ارحمهما ( أي : ادع لهمابالرحمة أحياء وأمواتاً , جزاء على تربيتهما إياك صغيراً . وفهم من هذا , أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق , وكذلك من تولى تربيةالإنسان في دينه ودنياه , تربية صالحة غير الأبوين , فإن له على من رباهحق التربية . ) وقال سيد قطب في ظلال القرآن : ( " إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما" والكبر له جلاله , وضعف الكبر له إيحاؤه , وكلمة "عندك " تصور معنىالالتجاء والاحتماء في حالة الكبر والضعف . " فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" وهي أول مرتبة من مراتب الرعاية والأدب , ألا يند من الولد ما يدل علىالضجر والضيق , وما يشي بالإهانة وسوء الأدب . "وقل لهما قولاً كريماً "وهي مرتبة أعلى إيجابية أن يكون كلامه لهما يشي بالإكرام والاحترام . "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " وهنا يشف التعبير ويلطف , ويبلغ شغافالقلب وحنايا الوجدان . فهي الرحمة ترق وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لايرفع عيناً, ولا يرفض أمراً . وكأنما للذل جناح يخفضه إيذاناً بالسلاموالاستسلام . " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " فهي الذكرى الحانية ,ذكرى الطفولة الضعيفة يرعاها الوالدان , وهما اليوم في مثلها من الضعفوالحاجة إلى الرعاية والحنان . وهو التوجه إلى الله أن يرحمهما, فرحمةالله أوسع , ورعاية الله أشمل , وجناب الله أرحب . وهو أقدر على جزائهمابما بذلا من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزائه الأبناء . ) أهـ • واخفض لهما جناح الذل : ما كان الجناح في الطائر إلا للطيران , والعلو ,وما خفضه طائر إلا ليصل إلى الأرض , فينال ما يحتاجه من شئون حياته . والله تعالى أمر المسلم بخفض جناحه لوالديه , لينال رضى الله المقرونبرضاهما , وينال ما يريد من خيري الدنيا والآخرة . ولم يرضى الإسلاملأتباعه بالذل لأحد – أياً كان – إلا للوالدين ! . الذل دليل الضعف , والمهانة , وما يصدر إلا عن خائف , وما يكون إلا لمتكبرجبار . لذلك قال تعالى ( من الرحمة ) فذل الرحمة , ما هو إلا حقيقة العز ,وإن صدر من محب مشفق ليس بخائف , فهو ذل تواضع لا مهانة , وهو العز بعينه. وما ذل خائف لجبار إلا وهو يطمع في مطمع يناله منه . وما ذل بار لوالديه إلا وهو لا يبتغي إلا رضا الله تعالى , فيؤجر على ذلك . فصار خفض الجناح للطائر خفض حقيقي , وخفضه من البار لوالديه علو حقيقي – علو دنيا وآخرة - . فهذا الذل إذن هو سبيل العز في الدنيا والآخرة . • فلا تقل لهما " أف " : ( وَاْلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍ لَكُمَاأَتَعِدَانِِنِي أَنْ أُخْرَجُ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِيوَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّفَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَلِينَ ) [ الأحقاف : 17 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( ذكر – الله – حال العاق , وأنها شرالحالات , فقال : )والذي قال لوالديه (إذ دعواه إلى الإيمان بالله واليومالآخر , وخوفاه الجزاء . وهذا أعظم إحسان يصدر من الوالدين لولدهما , أنيدعواه إلى ما فيه سعادته الأبدية , وفلاحه السرمدي, فقابلهما بأقبحمقابلة , فقال : ) أف لكما (أي : تباً لكما ولما جئتما به . ثم ذكر وجهاستبعاده وإنكاره لذلك فقال : )أتعدانني أن أخرج (من قبري إلى يوم القيامة, )وقد خلت القرون من قبلي (على التكذيب , وسلفوا على الكفر , وهم الأئمةالمقتدى بهم لكل كفور وجهول ومعاند ؟ )وهما ( أي : والداه ) يستغيثان الله( عليه , ويقولان له : )ويلك آمن ( أي : يبذلان غاية جهدهما , ويسعيان فيهدايته أشد السعي , حتى أنهما – من حرصهما عليه – أنهما يستغيثان الله له, استغاثة الغريق , ويسألانه سؤال الشريق , ويعذلان ولدهما , ويتوجعان له, ويبينان له الحق , فيقولان : ( إن وعد الله حق ( ثم يقيمان عليه الأدلةما أمكنهما , وولدهما لا يزداد إلا عتواً ونفوراً , واستكباراً عن الحقوقدحاً فيه , ) فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين (أي : إلا منقول من كتبالمتقدمين , ليس من عند الله , ولا أوحاه الله إلى رسوله , وكل أحد يعلمأن محمداً صلى الله عليه وسلم أمي لا يكتب ولا يقرأ , ولا تعلم من أحد ,فمن أين يتعلمه ؟ وأنَّى للخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن ولو كان بعضهملبعض ظهيراً ؟ . ) عند تأمل هذه الكلمة – التي لا أدنى منها في الأذى قولا , ولا أعظم منهاجرماً – نجد أنها مكونة من حرفين , هما الهمزة ومخرجها الحلق , وحرف الفاءومخرجه الشفتين . وعند النطق بها يمر النفس معها على جميع المخارج . فيشعرمن ينطقها أنها تعبر عن شدة الضجر , ويدرك سامعها كم فيها من الأذى ! .وهي عذاب وعقوق لكل من يسمعها تقال له , فكيف إذا قيلت للوالدين ؟!!! إذن هي أدنى الكلمات نطقاً من حيث عدد حروفها , وهي أدنى الكلمات نطقاً منحيث سوءها . بل هي في حقيقتها صوت , يظهره الإنسان ليعبر عن ضجره , وفيالمعجم المفهرس للغة والإعلام : أف : اسم فعل بمعنى أتضجر وأتكره , يقال "أفاً له وعليه " أي : قذراً له . أهـ فليس عبثاً نهي الله عنها ! فالحديث عن الأثر السيئ لهذه الكلمة في نفس من يتدبر فيها , تعجز الكلمات عن التعبير عنه . فكيف بذنب من يقولها؟ ! وكم هو ذنب من يقول , أو يفعل ما هو أشد منها لوالديه ؟ ! وقيل إن ابن عون نادته أمه , فأجابها , فعلا صوته صوتها , فأعتق رقبتين . ابن عون علا صوته على صوت أمه دون قصد , ففعل ما فعل , فكيف بمن يعلو صوته عليهما متعمدا قاصدا , أو ناهراً زاجراً ؟! لكن قد يعلو الصوت لسبب مشروع , كأن يكون – أحد الوالدين – ضعيف السمع ,فلا يسمعه إلا إذا رفع صوته , فهذا نسأل الله – تعالى – له المثوبة . وعن ابن عون, أن محمداً بن سيرين كان إذا كان عند أمه , لو رآه رجلٌ لايعرفه , ظن به مرضاً , من خفض كلامه عندها . ( سير أعلام النبلاء 1 / 460) رحمك الله يا بن سيرين , أي حب في قلبه لأمه ؟ ! وأي إجلال في نفسه لها ؟! وتروى قصة أن أحد الآباء طلب من ابنه أن يأخذه في نزهة لمكان ما , وقدأخذا معهما فاكهة, وعند شجرة وقف الأب , ثم صعد على الشجرة , وطلب من ابنهأن يناوله فاكهة , فأخذها الأب , وأسقطها على الأرض , فأخذها الإبنوأعطاها للأب مرة أخرى , وأسقطها الأب مرة ثانية , وثالثة , فغضب الابن ,وصرخ في وجه أبيه . فقال له الأب : يا بني , عندما كنت صغيراً , وعلى هذهالشجرة , كنت أعطيك الفاكهة , فتلقيها على الأرض , فأنزل وأحضرها لك ,وأنت تضحك , وأنا أضحك فرحاً لفرحك , تفعل ذلك مرات ومرات , وأنا أنزلوأناولك إياها , وقد غمرني السرور لسرورك , والآن تصرخ علي . في هذا الموقف رسالة من هذا الأب لكل ابن يقول فيها : عامل والديك عندكبرهما , بما كانا يعاملانك به في صغرك , تذكر ضعف صغرك , وشفقتهما عليك ,ولا تغتر بفتوة شبابك – التي ما وصلت إليها إلا بحدبهما عليك – فهمايحتجان إلى هذه الفتوة لتكون عوناً لهما في حال ضعفهما , يحتاجان إليهالتكون فيئاً يقيهما من حر هاجرة كبر السن . وقد أمر الله ببر الوالدين , والإحسان إليهما في أكثر من آية من آياتالقرآن , ويكفي الوالدين شرفاً , والأبناء استشعاراً لعظم حقهما , أن اللهتعالى قرن الإحسان إليهما مع الأمر بعبادته . كما في سورة النساء حيث قالتعالى : ( وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاًوَبِالْوَالِدَيْنِ إَحْسَاناً ) [ النساء : 36 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( .......ثم بعد ما أمر بعبادته والقيامبحقه , أمر بالقيام بحقوق العباد , الأقرب فا لأقرب . فقال : ) وبالوالدينإحساناً ( أي : أحسنوا إليهم بالقول الكريم , والخطاب اللطيف , والفعلالجميل , بطاعة أمرهما , واجتناب نهيهما , والإنفاق عليهما , وإكرام من لهتعلق بهما , وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا بهما , وللإحسان ضدان, الإساءة, وعدم الإحسان , وكلاهما منهي عنه . ) وقال سيد قطب في ظلاله : ( ثم ينطلق إلى الأمر بالإحسان إلى الوالدين –على التخصيص- ولذوي القربى – على التعميم – ومعظم الأوامر تتجه إلى توصيةالذرية بالوالدين – وإن كانت لم تغفل توجيه الوالدين إلى الذرية – فاللهأرحم بالذراري من آبائهم وأمهاتهم في كل حال . والذرية بصفة خاصة أحوج إلىتوجيهها للبر بالوالدين – بالجيل المدبر المولي - , إذ الأولاد – فيالغالب - يتجهون بكينونيتهم كلها , وبعواطفهم ومشاعرهم واهتماماتهم إلىالجيل الذي يخلفهم , لا الجيل الذي خلفهم ! . وبينما هم مدفوعون في تيارالحياة إلى الأمام , غافلون عن التلفت إلى الوراء , تجيئهم هذه التوجيهاتمن الرحمن الرحيم , الذي لا يترك والداً ولا مولوداً , والذي لا ينسى ذريةولا والدين , والذي يعلم عباده الرحمة بعضهم ببعض , ولو كانوا ذرية أووالدين . ) أهـ وفي سورة الأنعام : ( قُلْ تَعَالَوْا أََتْلُ مَا حَرَمَ رَبُكُمْعَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِإِحْسَاناً ) [ الأنعام : 15 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( وبالوالدين إحساناً ( من الأقوال الكريمةالحسنة , والأفعال الجميلة المستحسنة , فكل قول وفعل يحصل به منفعةللوالدين أو سرور لهما , فإن ذلك من الإحسان , وإذا وجد الإحسان انتفىالعقوق . ) وفي سورة العنكبوت : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَبِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرَكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَبِه عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا إَلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُمْ بِمَاكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِلَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ ) [ العنكبوت : 8-9 ] قال الشيخ في تفسيره : ( أي : وأمرنا الإنسان , ووصيناه بوالديه حسناً ,أي : ببرهما والإحسان إليهما , بالقول والعمل , وأن يحافظ على ذلك , ولايعقهما ويسيء إليهما في قوله وعمله . )وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك بهعلم (وليس لأحد علم بصحة الشرك بالله, وهذا تعظيم لأمر الشرك , ) فلاتطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ( فأجازيكم بأعمالكم , فبرواوالديكم وقدموا طاعتهما , إلا على طاعة الله ورسوله , فإنهما مقدمة على كل شيء . ) وقال سيد قطب في ظلاله : ( إن الوالدين لأقرب الأقرباء , وإن لهما لفضلاً, وإن لهما لرحماً , وإن لهما لواجباً مفروضاً – واجب الحب والكرامةوالاحترام والكفالة – ولكن ليس لهما من طاعة في حق الله – وهذا هو الصراط- . " ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " إن الصلة في الله هي الصلة الأولى , والرابطة في الله هي العروة الوثقى .فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرعاية , لا الطاعة ولا الاتباع. وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى الله . " إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " ويفصل بين المؤمنين والمشركين , فإذا المؤمنون أهل ورفاق , ولو لم يعقد بينهم نسب ولا صهر . " والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين " وهكذا يعودالموصولون بالله جماعة واحدة , كما هم في الحقيقة , وتذهب روابط الدموالقرابة والنسب والصهر . وتنتهي بانتهاء الحياة الدنيا , فهي روابط عارضةلا أصيلة . لا نقطاعها عن العروة الوثقى التي لا انفصام لها . روى الترمذي عند تفسير هذه الآية أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص – رضي اللهعنه – وأمه حمنة بنت أبي سفيان , - وكان باراً بأمه – فقالت له : ما هذاالدين الذي أحدثت ؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه , أوأموت . فتتعير بذلك أبد الدهر . يقال : يا قاتل أمه . ثم إنها مكثت يوماًوليلة لم تأكل ولم تشرب , فجاء سعد إليها وقال : يا أماه لو كانت لك مائةنفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني , فكلي إن شئت , وإن شئت فلا تأكلي.فلما أيست منه أكلت وشربت . فأنزل الله هذه الآية آمراً بالبر بالوالدينوالإحسان إليهما , وعدم طاعتهما في الشرك . وهكذا انتصر الإيمان على فتنة القرابة والرحم , واستبقى الإحسان والبر .وإن المؤمن لعرضة لمثل هذه الفتنة في كل آن , فليكن بيان الله وفعل سعدهما راية النجاة والأمان . ) أهـ وعند تأملي لهذه الآيات : ( يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُ الْمُجْرِمُ لَوْيَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمَئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ *وَفَصِيلَتِهِ الْتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّيُنْجِيهِ ) [ المعارج : 11-14 ] وجدت أن الله – تعالى – ذكر ما يتمناه المرء في تلك اللحظة , يريد الفداءبأعز ما يملك , فيضحي بالابن والصاحبة , والفصيلة و كل الخلق . فذكر اللهتعالى كل من لهم صلة قرابة أو نسب , ولم يذكر الوالدين صراحة ! وهذا يشعرني بعظم مكانتهما عند الله - تعالى - , وكبر حقهما على الأبناء ,ففي ذلك الموقف – رغم شدته – لا يتجرأ الابن عليهما , رغم تمنيه النجاةبكل ما يستطيع , وما منعه عن ذلك إلا رب العباد , الذي هو أعلم بعظم حقهما. فهل نعي عظم ذلك الحق ؟؟؟ كم مقدار الهيبة التي تمتلك النفس عند استشعار ذلك ؟ كم مقدار الرهبة التي ينبغي أن تملأ القلب ؟؟ كم مقدار الحب لهما الذي ستحمله المشاعر حينئذ ؟ وعن عبد الله قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى اللهعز وجل ؟ قال : ( الصلاة على وقتها . قال : ثم أي ؟ قال : ثم بر الوالدين. قال ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : حدثني ولو استزدتهلزادني ) صحيح البخاري ( 4 / 69 ) فإذا كان بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله عز وجل , فهل يقدم علىبرهما شيء من الأعمال , سواء دينية – إلا ما كان فرضاً - أو دنيوية ؟! وكم هي سعادة من أكرمه الله بوجود والديه عنده لينال هذا الحب من الله ! حقاً إن برهما طريق السعادتين – الدنيوية والأخروية - ! وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رغمأنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف , قيل : من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك أبويهعند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة . ) صحيح مسلم . دعا الرسول – صلى الله عليه وسلم – بالذل والهوان , وعبر عن ذلك بقوله : "رغم أنف " أي لصق بالتراب , وفي هذه الصورة يكون المرء قد كب على وجهه –الذي هو أعلى وأشرف مكان في جسده - في الأرض فالتصق أنفه في التراب . وكررالدعاء عليه ثلاثاً , والرسول دعوته محققة الإجابة , كل ذلك على من ترك بروالديه في حال كبرهما , وهذا لا يعني أن البر يسقط عنه في حال شبابهما ,وإنما ذكر ذلك لمزيد التأكيد والاهتمام . إذن هي معادلة واضحة وضوح الشمس في ضحى النهار , من بر سعد , ومن عق ذل , وهان , وشقي . ورأى ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما رجلاً قد حمل أمه على رقبته وهويطوف بها حول الكعبة , فقال : يا ابن عمر , أتراني جازيتها ؟ قال : ولابطلقة واحدة من طلقاتها , ولكن قد أحسنت , والله يثيبك على القليل كثيراً. نزهة الفضلاء ( 1 / 416 ) ولا بطلقة واحدة من طلقاتها ! يا الله , هذه حال البار , فكيف بالمقصرين ؟! وقال عروة ابن الزبير : ما بر والده من شد الطرف إليه . إذن مفهوم البر هو : الطاعة التامة – في غير معصية للخالق - , وحسن المعاملة عن حب , والإحسانإليهما بجميع وجوه الإحسان بدون حد , نعم نكررها – بدون حد - . البر في الدنيا : واحة السعادة , وروضة الحب والحنان , وطريق التوفيق والنجاح , وعلاج كل كرب وهم , وسبب انشراح الصدر . وفي الآخرة : سفينة النجاة , وطريق الجنة , كما قال الرسول صلى الله عليهوسلم في الحديث الذي رواه أبو الدرداء – رضي الله عنه – قال : (( الوالدأوسط أبواب الجنة , فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه . )) رواه الترمذيوصححه . فمن لم يدخل الجنة من هذا الباب , ضيع بقية الأبواب . مما سبق فإن من حقوق الوالدين : الإحسان القولي والفعلي لهما . ومما أمرنا الله – تعالى – به من حقوقهما : ( 1 ) الاستغفار لهما : 1- قال تعالى : ( رَبَنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) [ إبراهيم : 41 ] والذي قال ذلك هو خليل الله إبراهيم عليه السلام , وقد كان أبوه مشركاً ,ومع ذلك يبره بالدعاء له . – ولا يجوز الاستغفار للوالدين المشركين نهياًمن الله تعالى , لكن إبراهيم فعل ذلك لوعده أباه أن يدعو له , فلما تبينله أنه عدو لله تبرأ منه , لكنه لم يعقه . نعم تبرأ من شركه , لكنه لم يتبرأ من أبوته ! تبرأ من شركه , ولم يعاقبه على ذلك بالعقوق ! تبرأ من شركه , ولم يسيء إليه بقول أو فعل , بسبب ذلك ! ولا ينبغي الاستغفار لهما – إذا كانا مشركين – مع بقاء حسن الصحبة لهما . فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( استأذنت ربي أن استغفر لأمي فلم يأذن لي , واستأذنته أن أزور قبرهافأذن لي )) صحيح مسلم (3/65 ) فالرسول صلى الله عليه وسلم مات أبوه قبل أن يولد , وماتت أمه وهو طفلصغير , ورغم ذلك لا يترك برهما , فيزور قبر أمه , ويقف عنده , ويبكي , فأيصحبة خير من هذه الصحبة ! وأي بر أعظم من هذا البر ! - وقال تعالى : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَبَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِالظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً ) [ نوح : 28 ] ورد هذا الدعاء على لسان النبي نوح عليه السلام – وهو دعاء بر النبوةبالوالدين - وقد خصَّ الوالدين لتأكد حقهما , وعظيم مكانتهما . ثم عممالدعاء , وذلك من باب عطف العام على الخاص , ويدل على أهمية ما خصص فيدعائه . (2) صلتهما في الدنيا حتى لو كانا مشركين : عن أسماء بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما – قالت : قدمت عليَّ أميوهي مشركة في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاستفتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم – قلت : قدمت عليَّ أمي وهي راغبة , أفأصل أمي ؟ قال :" نعم صلي أمك " متفق عليه . فالذي حفظ هذا الحق للوالدين المشركين, أيعقل أن يتهاون مع من يضيعه على مسلمين ؟! فيا رب : أكرمتنا بأبوين مسلمين , فلا تحرمنا برهما , بما يرضيك, ويرضيهما عنا . (3) الدعاء لهما بالتوفيق لعمل الطاعات , وشكر النعم بشكره – تعالى - على ما أنعم به عليهما: وقال تعالى : ( وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَالَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاَتَرْضَاهُ وَأدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عَبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) [النمل : 19 ] قال الشيخ في تفسيره : ( أي : ألهمني ووفقني ) أن أشكر نعمتك التي أنعمتعلي وعلى والدي ( فإن النعمة على الوالدين نعمة على الولد , فسأل ربهالتوفيق للقيام بشكر نعمته , الدينية والدنيوية , عليه وعلى والديه , )وأنأعمل صالحا ترضاه (أي : وفقني أن أعمل صالحا ترضاه , لكونه موافقاً لأمرك, مخلصاً فيه , سالماً من المفسدات والمنقصات , )وأدخلني برحمتك ( التيمنها الجنة , في جملة عبادك الصالحين , فإن الرحمة مجعولة للصالحين علىاختلاف درجاتهم ومنازلهم . فهذا نموذج ذكره الله من حالة سليمان عند سماعخطاب النملة ونداءها . ) قال سيد قطب في الظلال : ( " رب " بهذا النداء القريب المباشر المتصل , "أوزعني " اجمعني كلي , اجمع جوارحي , ومشاعري , ولساني , وجناني , وخواطري, وخلجاتي , وكلماتي , وعباراتي , وأعمالي وتوجهاتي , اجمعني كلي , اجمعطاقاتي كلها – أولها على آخرها وآخرها على أولها - ,- وهو المدلول اللغويلكلمة أوزعني – لتكون كلها في شكر نعمتك عليَّ وعلى والدي . وهذا التعبير يشي بنعمة الله التي مست قلب سليمان – عليه السلام – في تلكاللحظة , ويصور نوع تأثره , وقوة توجهه , وارتعاشة وجدانه , وهو يستشعرفضل الله الجزيل , ويتمثل يد الله عليه وعلى والديه , ويحس مس النعمةوالرحمة في ارتياع وابتهال . ) أهـ فقد ألهم الله تعالى نبيه سليمان عليه السلام لحق من حقوق الوالدين , ماكان لأحد أن يفطن له, إلا من وفقه الله تعالى , وهو شكر الله تعالى على ماأنعم به الله على الوالدين . ومن البديهي أن نقول إن ذلك لأن نعم الوالدين هي للأبناء يتنعمون بها فيحياة الوالدين بما ينفقونه عليهم , وبعد موتهما بما يأخذونه ميراثاً . فمنالذي فكر بهذه النعمة وبر والديه عليها بالدعاء لهما ؟ ! وهي كذلك توفيق وإلهام من الله تعالى لمن يوفقهم للبر , حيث إن غفل الأبعن شكر الله على نعمه , أو قصر في حق شكره , سد الإبن مسده , في شكر الله, فصار ذلك من أعمال البر . وقال تعالى : ( وَوَصَّيْنَاَ الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ إِحْسَاناًحَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُثَلاثُونَ شَهْراً حَتَى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلََغَ أَرْبَعِينَسَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكَرَ نِعْمَتَكَ الَّتِيأَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلْ صَالِحاًتَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِيَتِي إِنِّي تُبْتُ إِليْكَ وَإنِيمِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ الأحقاف : 15 ] قال الشيخ في تفسيره : ( ....... أي : ألهمني ووفقني ) أن أشكر نعمتك التيأنعمت علي وعلى والدي ( أي : نعم الدين , ونعم الدنيا , وشكره بصرف النعمفي طاعة مسديها وموليها, ومقابلة منته بالاعتراف والعجز عن الشكر ,والاجتهاد في الثناء بها على الله , والنعم على الوالدين , نعم علىأولادهم وذريتهم , لأنهم لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها ,خصوصاً نعم الدين , فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل , من أعظم الأسبابلصلاح أولادهم . ) وأن أعمل صالحاً ترضاه ( بأن يكون جامعاً لما يصلحه ,سالماً مما يفسده , فهذا العمل الذي يرضاه الله ويقبله , ويثيب عليه . )وأصلح لي في ذريتي ( لما دعا لنفسه بالصلاح , دعا لذريته أن يصلح اللهأحوالهم , وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله ) وأصلح لي )........) وقال سيد قطب في ظلاله : ( " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناَ " فهي وصيةلجنس الإنسان كله , قائمة على أساس إنسانيته , بدون حاجة إلى أي صفة أخرىوراء كونه إنساناً. وهي وصية بالإحسان مطلقة من كل شرط ومن كل قيد . فصفةالوالدية تقتضي هذا الإحسان بذاتها , بدون حاجة إلى أي صفة أخرى كذلك ,وهي وصية صادرة من خالق الإنسان , وربما كانت خاصة بهذا الجنس أيضاً , فمايعرف في عالم الطير أو الحيوان أو الحشرات وما إليها أن صغارها مكلفةبرعاية كبارها , والمشاهد الملحوظ هو فقط تكليف فطرة هذه الخلائق أن ترعىكبارها صغارها في بعض الأجناس . فهي وصية ربما كانت خاصة بجنس الإنسان . وتتكرر في القرآن الكريم وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الوصيةبالإحسان إلى الوالدين . ولا ترد وصية الوالدين بالأولاد إلا نادراً ,ولمناسبة حالات معينة . ذلك أن الفطرة وحدها تتكفل برعاية الوالدينللأولاد , رعاية تلقائية مندفعة بذاتها , لا تحتاج إلى مثير . وبالتضحيةالنبيلة الكاملة العجيبة التي كثيراً ما تصل إلى حد الموت – فضلاً علىالألم – بدون تردد , ودون انتظار عوض , ودون منٍّ ولا رغبة حتى في الشكران! . أما الجيل الناشئ فقلما يلتفت إلى الخلف , قلما يلتفت إلى الجيلالمضحي الواهب الفاني , لأنه بدوره مندفع إلى الأمام , يطلب جيلاً ناشئاًمنه يضحي له بدوره ويرعاه ! وهكذا تمضي الحياة !. ........ " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً " تركيب الألفاظ وجرسها يكاد يجسم العناء والجهد والضنى والكلال , " حملتهأمه كرهاً ووضعته كرهاً " لكأنها آهة مجهد مكروب , ينوء بعبء ويتنفس بجهد, ويلهث بالأنفاس ! إنها صورة الحمل وبخاصة في أواخر أيامه , وصورة الوضع , وطلقه , وآلامه ! ........ " حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني ........"وبلوغ الأشد يتراوح بين الثلاثين والأربعين , والأربعون هي غاية النضجوالرشد , وفيها تكتمل جميع القوى والطاقات , ويتهيأ الإنسان للتدبر ,والتفكر في اكتمال وهدوء . وفي هذه السن تتجه الفطرة المستقيمة السليمةإلى ما وراء الحياة , وما بعد الحياة . وتتدبر المصير والمآل . ويصور القرآن هنا خوالج النفس المستقيمة , وهي في مفرق الطريق , بين شطرمن العمر ولَّى , وشطر يكاد آخره يبتدي , وهي تتوجه إلى الله . " رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي " دعوة القلب الشاعر بنعمة ربه , المستعظم المستكثر لهذه النعمة , التيتغمره , وتغمر والديه قبله , فهي قديمة العهد به , المستقل لجهده في شكرها. يدعو ربه أن يعينه بأن يجمعه كله "أوزعني " لينهض بواجب الشكر , فلايفرق طاقته , ولا اهتمامه في مشاغل أخرى غير هذا الواجب الضخم الكبير )أهـ وفي دعاء الوالدين بصلاح ذريتهم , باب من أبواب استجلاب البر , ومفتاح لغلق باب العقوق . ( 4 ) الصحبة في الدنيا بالمعروف : قال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [ لقملن : 15 ] ومعنى صاحب مصاحبة : لازمه , ووافقه , وعاشره . ... يقال : " أصحبه فهومُصْحِب " : أي فعلت ما جعله صاحباً لي غير نافر مني ......وتصاحب الرجلان: توافقا ...... المُصْحِب : المنقاد , الذليل ..... أصحب فلاناً : حفظه....... وتصحب منه : استحيا . يقال فلان ما يتصحب من شيء : أي ما يتوقىوما يستحي . ( المنجد في اللغة والإعلام ) إذن " صاحبهما في الدنيا " أي : لازمهما , ووافقهما , وعاشرهما , واجعلهم مصاحبين لك غير نافرين منك , وتوقى واستحي مما يؤذيهما . وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : ( جاء رجل إلى رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك. ) صحيح مسلم . إن زيادة الوصية في الأم لضعفها , وحاجتها إلى الرعاية , لأن الحقوق درجات, ولا ينقص ذلك من حق الأب , بل للتأكيد على أهمية حق الأم . وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنه – قال : ( جاء رجل إلى النبي صلىالله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد , فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال: ففيهما فجاهد ) صحيح مسلم . وفي رواية : أقبل رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : أبايعك علىالهجرة , والجهاد , أبتغي الأجر من الله تعالى . فقال : " هل من والديكأحد حي ؟ " قال : نعم , بل كلاهما . قال : " فتبتغي الأجر من الله تعالى ؟" قال : نعم . قال : " فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما " متفق عليه . من المعلوم شرعاً أن الهجرة من بلد الكفر – في حالة عدم التمكن من إقامةشعائر الدين – فرض كفاية , وكذلك الجهاد فرض كفاية , ومع ذلك حق الوالدينأوجب منهما , لأن برهما فرض عين . ويروى عن كهمس التميمي : أنه أراد قتل عقرب , فدخلت في جحر , فأدخل أصابعهخلفها, فضربته , فقيل له : قال : خفت أن تخرج , فتجيء إلى أمي تلدغها . ويقول بشر بن الحارث المعروف " ببشر الحافي " : ما من رجل يقرب من أمه حيثيسمع كلامها إلا كان أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله , والنظرإليهما أفضل من كل شيء . ( 5 ) تقديم برهما على فريضة الجهاد : عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : جاء رجل يستأذن النبي صلى الله عليهوسلم في الجهاد معه , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أحي والداك ؟قال : نعم , قال : ففيهما فجاهد )) رواه البخاري ( 4 / 47 ) ومسلم ( 8 / 3) . وتروى قصة الشاب , كلاب بن أمية , الذي خرج إلى الجهاد في زمن عمر بنالخطاب – رضي الله عنه - , فغاب عن أبويه , وتأخر عليهما , وكانا كبيرينفي السن , وهو بار بهما , ويقوم على شئونهما . وكانا يبكيانه كلما تذكراه. وفي يوم رأى أبوه حمامة تطعم صغارها , فتذكر ابنه وبكى , وأنشد : لمن شيخان قد نشدا كلاباً كتاب الله لو قبل الكتابا أناديه فيعـرض فـي إبـاء فلا وأبي كلاب ما أصابا إذا هتفت حمامة بطن وج على بيضاتها ذكرا كلاباً فإن مهـاجريـن تكنفـــــاه ففارق شيخه خطأ وخابا تركت أباك مرعشة يداه وأمك ما تسيغ لها شراباً تنفض مهده شفـقاً عليــه وتجنبه أباعرها الصعابا فإنك والتماس الأجر بعدي كباغي الماء يتبع السرابا وازداد بكاء أمية على ابنه , حتى ضعف بصره ثم عمي . وذهب إلى الفاروق – عمر بن الخطاب – يقسم عليه أن يرد ابنه . وأنشده : أعاذل قد عذلت بغير علم وما تدرين عاذل ما ألاقي فإما كنـت عاذلـتي فـردي كـلاباً إذا تـوجـه للعـراق فلا وأبيك ما باليت وجدي ولا شفقي عليك ولا اجتهاد فلو فلـق الفؤاد شـديد وجد لهمَّ سـواد قـلبـي بانـفـلاق سأستعد على الفاروق رباً له دفـع الحجـيج إلى بساق وأدعـو الله مجتهـداً عليـه ببطـن الأخشـبين إلى بقـاق إن الفاروق لم يردد كلاباً إلى شيخـين هامهـما زواق فتأثر عمر , وأرسل إلى أمير جيش العراق , يأمره أن يأمر كلاب أن يرجع إلىالمدينة . فلما وصل , وذهب إلى عمر , قال له : يا بني , ما بلغ من بركبأبيك ؟ فقال كلاب : كنت أؤثره على نفسي , وأكفيه أمره , وكنت إذا أردت أنأحلب له لبناً , أجيء إلى أغزر ناقة , فأريحها حتى تستقر , ثم أغسل ضروعهاحتى تبرد , ثم أحلب له , فيخرج الحليب بارداً , ثم أسقيه إياه . فأرسل عمر إلى أبيه , وسأله عما يشتهي فقال : أتمنى كلاب أنه عندي , فأضمهضمة , وأشمه شمة , فرق عمر له . ثم أمر كلاب أن يحلب الناقة كما كان يحلبلأبيه . ثم أخذ عمر الإناء , وأعطاه لأمية , وقال له : اشرب , فلما قربهمن فمه , توقف برهة , وقال: يا أمير المؤمنين , والله إني لأشم رائحة كلاب, فجاء عمر بكلاب , وقال : هذا كلاب . فوثب أمية من مكانه وضم ابنه , وهويبكي , فبكى كلاب لبكاء أبيه , وبكى عمر لبكائهما . وقال لكلاب : إلزمأبويك , وجاهد فيهما ما بقيا . ثم شأنك بنفسك , وأمر بعطائه , فأعطاه إياه, وصرفه مع أبيه . وقال كلاب : إنه ما ترك أبويه لدنياه , بل لآخرته . ( 6 ) تقديم برهما على صلاة التطوع : لأن برهما واجب , وصلاة التطوع نفلاً , ولا يقدم النفل على الواجب . وسيردمعنا قصة جريج العابد لاحقاً , وبها عاقبة من يقدم صلاة النفل على بروالديه . ( 7 ) تقديم برهما على مصالح الذات : وذلك بطاعتهما في كل ما يأمران به , وتنفيذ ما يطلبانه , ما لم يكن في معصية الخالق . فعندما قدم الحجاج إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير , خيره بين ثلاث :إما أن يذهب في الأرض حيث شاء , أو يأخذه إلى الشام مقيداً , أو يقاتله .فشاور أمه , فأشارت عليه بالثالث . فذكر لها أنه لا يخاف القتل , لكن يخشىأن يمثلوا به , فقالت له قولتها المشهورة : إن الشاة لا يضرها سلخها بعدذبحها . فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل . فعبد الله بن الزبير- رحمه الله – قدم رأي أمه على رأيه , ورضي به , وهويعلم أن الموت , والتمثيل بجثته مصيره , فكيف بنا إن كان ما يريدانه منا ,لا يمثل خطراً علينا , ولا يرهقنا ؟ ! وقال عبد الله بن جعفر بن خاقان : سمعت بندار – الإمام الحافظ روايةالإسلام أبو بكر البصري - ويلقب ببندار أي : الحافظ - يقول : أردت الخروج– يعني الرحلة في طلب العلم – فمنعتني أمي , فأطعتها , فبورك لي فيه . وعن الحافظ , أحمد بن علي بن مسلم الآبار , قال جعفر الخلدي : كان الآبارمن أزهد الناس , استأذن أمه في الرحلة إلى قتيبة , فلم تأذن له , ثم ماتت, فخرج إلى خراسان , ثم وصل إلى بلخ وقد مات قتيبة , فكانوا يعزونه علىهذا , فقال : هذا ثمرة العلم , إني اخترت رضى الوالدة . ( سير أعلامالنبلاء ) وقال ابن النجار : قرأت بخط ابن معمر بن الفاخر في معجمه , أخبرني أبوالقاسم الحافظ إملاءً بمنى , كان من أحفظ من رأيت , وكان شيخنا إسماعيل بنمحمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم , قدم أصبهان , ونزل في داري , ومارأيت شاباً أحفظ , ولا أروع , ولا أتقن منه , وكان فقيهاً , أديباً ,سنياً . سألته عن تأخره عن الرحلة إلى أصبهان , قال : استأذنت أمي فيالرحلة إليها , فما أذنت . ( سير أعلام النبلاء 3 / 1457 ) منعتهم الأمهات من الخروج لطلب العلم – شفقة وحباً , وطمعاً بقربهم - ,فأكسبهم البر علماً , وذكراً حسناً يذكرون به إلى قيام الساعة . ( 8 ) الإنفاق عليهما في حال الحاجة , والإهداء لهما في حال يسرهما : عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : جاء رجل إلى النبي صلى اللهعليه وسلم فقال : يا رسول الله , إن أبي يريد أن يجتاح مالي . فقال صلىالله عليه وسلم (( أنت ومالك لأبيك )) . ابن مجه ( 2/ 76) هل سمعنا هذا الرد الحاسم من سيد البشر – صلوات الله وسلامه عليه – " أنت ومالك لأبيك"؟ اسمعه يا من يضن على أبويه بحفنة ريالات يعطيهما إياها كل نهاية شهر من راتبه . اسمعه يا من أسكن زوجه وأولاده المنزل الواسع المريح , وترك أبويه في منزل متهالك , لا يحمي من برد الشتاء , ولا هجير الصيف . اسمعه يا من تمر الأعياد عليهما , ولم يفرحا منك بجديد يلبسانه , ولا هدية تزرع الفرح في عينيهما . اسمعه يا من يرى الدنيا كلها في سعادة أبنائه , وتذكر – كما تدين تدان - . وقال هشام بن حسان : حدثتني حفصة بنت سيرين قالت : كانت والدة محمد- ابنسيرين - حجازية , وكان يعجبها الصبغ , وكان محمداً إذا اشترى لها ثوباً ,اشترى ألين ما يجد . فإذا عيد , صبغ لها ثياباً . وما رأيته رافعاً صوتهعليها , كان إذا كلمها كالمصغي إليها . ( 9 ) صلة أقربائهما و أصدقائهما : عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر , أن رجلاً من الأعراب لقيهبطريق مكة فسلم عليه عبد الله , وحمله على حمار كان يركبه , وأعطاه عمامةكانت على رأسه , فقال ابن دينار : فقلنا له : أصلحك الله إنهم الأعراب ,وإنهم يرضون باليسير , فقال عبد الله : إن أبا هذا كان وداً لعمر بنالخطاب , وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أبر البرصلة الولد أهل ود أبيه . ) صحيح مسلم . آثار البر الدينية والدنيوية : أولاً : الجزاء العاجل والآجل من الله تعالى : 1) دخول الجنة : عن معاوية بن جاهمة , أن جاهمة – رضي الله عنه – جاء إلى النبي صلى اللهعليه وسلم فقال : يا رسول الله أردت أن أغزو , وجئت استشيرك ؟ فقال : ((هل لك من أم؟ قال : نعم , قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها )) رواهالنسائي وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد . 2) كسب رضا الله والبعد عن سخطه : عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم : (( رضا الله في رضا الوالدين , وسخط الله في سخط الوالدين ))رواه الترمذي , والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم . 3) الصلاح والبعد عن الشقاء : قال تعالى : ( وَبَرَّا بِوَالِدَيهِ وَلَمْ يَكُن جَبَاراً عَصِياً ) [ مريم : 14 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( لم يكن عاقاً , ولا مسيئاً إلى أبويه , بلكان محسناً إليهما بالقول والفعل )ولم يكن جباراً عصياً ( أي : لم يكنمتجبرأ متكبراً عن عبادة الله , ولا مترفعاً على عباد الله , ولا علىوالديه , بل كان متواضعاً , متذللاً , مطيعاً , أواباً إلى الله علىالدوام , فجمع بين القيام بحق الله , وحق خلقه , ولهذا حصلت له السلامة منالله , في جميع أحواله , مبادئها وعواقبها . ) وقال تعالى : ( وَبَرَّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَاراً شَقِياً ) [ مريم : 32 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( ووصاني أيضاً أن أبر والدتي فأحسن إليهاغاية الإحسان , وأقوم بما ينبغي لها , لشرفها وفضلها , ولكونها والدة لهاحق الولادة وتوابعها. ) ولم يجعلني جباراً ( أي : متكبراً على الله ,مترفعاً على عباده , )شقياً ( في دنياي أو أخراي , فلم يجعلني كذلك بلجعلني مطيعاً له خاضعاً خاشعاً متذللاً , متواضعاً لعباد الله , سعيداً فيالدنيا والآخرة . ) وقال بعض السلف : لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً . 4) الزيادة في العمر : وعن ثوبان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إنالرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه , ولا يرد القدر إلا الدعاء , ولا يزيد فيالعمر إلا البر )) رواه ابن ماجه والحاكم وقال : صحيح الإسناد . 5) سعة الرزق : وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من سره أن يمد له في عمره , ويزاد له في رزقه فليبر والديه , وليصلرحمه . )) رواه أحمد , ورجاله رجال الصحيح . ثانياً : إجابة دعاء من بر والديه : فعن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر , فمالوا إلى غار في الجبل , فانحطتعلى فم غارهم صخرة من الجبل , فأطبقت عليهم , فقال بعضهم لبعض , انظرواأعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها , فقال أحدهم :اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران, ولي صبية صغار , كنت أرعى عليهم ,فإذا رحت عليهم فحلبت , بدأت بوالدي اسقيهما قبل ولدي , وإنه نأى بي الشجرفما أتيت حتى أمسيت, فو جدتهما قد ناما , فحلبت كما كنت أحلب , فجئتبالحلاب , فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما , وأكره أن أبدأبالصبية قبلهما , والصبية يتضاغون عند قدمي , فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتىطلع الفجر و فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرىمنها السماء , ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء ........) صحيحالبخاري ( 4 / 70 ) الحذر من البر الكاذب : ومن صوره : 1- موافقتهم على الباطل بحجة برهم : مثل من يرى أباه يتعامل بالمعاملاتالربوية , ويتساهل في الكسب , ولا يتحرى الطرق المشروعة , فيوافقه على ذلك, ويعينه , ومن ثم يتأثر به ويقتدي به . أو أن يكون الأب ممن يتعامل مع الكهان ونحوهم , وغير ذلك من الأمور المخالفة للشرع . 2- تقديم حقهم على الواجبات الشرعية : حيث المباح تقديم حقهم في النوافل ,لا الفروض والواجبات , كمن يترك صلاة الجماعة بحجة الترفيه عنهما , أوالقيام بشئونهما . 3- معاملتهم معاملة حسنة : بهدف الحصول على منافع منهم , كمن يطمع في أن يعطونه مالاً أو هدية – دون سائر إخوته - . 4- التبسط معهم في المزاح إلى حد يخرج عن المألوف في حقهما : سواء كان ذلك بالقول, أو الفعل . ومن صفات هؤلاء – أهل البر الكاذب - , وأفعالهم : 1-عدم السلام عليهما عند الدخول , والخروج , وعدم تقبيل يديهما. 2-عدم تقديرهما , وإكرامهما , وإجلال مقامهما , وقد يصل إلى حد السخرية منهما . 3-عدم التأدب عند مخاطبتهما , ومقاطعتهما أثناء الحديث . 4-عدم طاعة أمرهما . 5-الاعتراض على قولهما , ما دام لا يوافق هوى نفسه . 6-عدم إدخال السرور على قلبيهما . والتودد لهما بفعل كل ما يحبانه , ويفرحان به . 7-عدم تقديم الهدايا لهما – خصوصاً في المناسبات مثل الأعياد . 8- تبذير أموالهما , أو تضييعها , أو أخذها دون رضاهما . 9- عدم المحافظة على سمعتهما بين الناس , بفعل ما يسيء إليهما . 10-عدم استشارتهما في شئونه , وإن أشارا عليه لم يأخذ بمشورتهما . 11- البخل عليهما , ونسيان فضلهما . 12- عدم الدعاء , والاستغفار لهما . 13- عدم صلة رحمهما , وود من يصحبونهم . 14- عدم القيام بحقهما بعد الموت , من إنفاذ وصيتهما , أو تسديد دينهما ,أو زيارة قبريهما , ( باختصار من كتاب ليس من الأدب , للأستاذ سلمان نصيفالدحدوح ) حدود البر : (1 ) مر معنا سابقاً قوله تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لكبه علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) [ لقمان : 15 ] قال الشيخ السعدي في تفسيره : ( وإن جاهداك (أي : اجتهد والداك (على أنتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ( ولا تظن أن هذا داخل في الإحسانإليهما , لأن حق الله مقدم على حق كل أحد , و " لا طاعة لمخلوق في معصيةالخالق " . ولم يقل : " وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس له به علم فعقهما" . بل قال : ) وصاحبهما في الدنيا معروفاً ( أي : صحبة إحسان إليهمابالمعروف , وأما اتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي, فلا تتبعهما . ) أما في حال التطوع , فإن حقهما مقدم . وقصة جريج العابد دليل على ذلك ,فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لميتكلم في المهد إلا ثلاثة : عيسى بن مريم , وصاحب جريج , وكان جريج رجلاًعابداً , فاتخذ صومعته , فكان فيها , فأتته أمه وهو يصلي , فقالت : ياجريج , فقال : يا رب أمي و صلاتي , فأقبل على صلاته , فانصرفت . فلما كانمن الغد أتته وهو يصلي , فقالت : يا جريج , فقال : يا رب أمي وصلاتي ,فأقبل على صلاته , فلما كان من الغد أتته وهو يصلي ,فقالت : يا جريج ,فقال : يا رب أمي وصلاتي , فأقبل على صلاته , فقالت : اللهم لا تمته حتىينظر إلى وجوه المومسات , فتذاكر بنو إسرائيل جريجاً وعبادته , وكانتامرأة بغي يتمثل بحسنها , فقالت : إن شئتم لأفتننه , فتعرضت له , فلميلتفت إليها , فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته , فأمكنته من نفسها , فوقععليها , فحملت , فلما ولدت , قالت : هو ابن جريج , فأتوه , فاستنزلوه ,وهدموا صومعته , وجعلوا يضربونه , فقال : ما شأنكم ؟ قالوا : زنيت بهذهالبغي , فولدت منك . فقال : أين الصبي ؟ فجاؤوا به , فقال : دعوني حتىأصلي , فصلى , فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه , وقال : يا غلام منأبوك ؟ قال : فلان الراعي , فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به ,وقالوا : نبني لك صومعتك من ذهب , قال : لا , أعيدوها من طين كما كانت ,ففعلوا ................... )) متفق عليه . هذا الحديث بين لنا أثر دعاء الوالدين على ابنهما , وكذلك لدعائهما أثرأيضاً يراه عاجلاً, وآجلاً . ومن ذلك ما رواه سهل بن بشر قال : حدثنا سليمأنه كان في صغره بالري , وله نحو من عشر سنين , فحضر بعض الشيوخ وهو يُلقن, فقال لي : تقدم فاقرأ , فجهدت أن أقرأ الفاتحة , فلم أقدر على ذلكلانغلاق لساني , فقال : لك والدة ؟ قلت : نعم , قال : قل لها تدعو لك أنيرزقك الله قراءة القرآن والعلم . قلت : نعم . فرجعت , فسألتها الدعاء ,فدعت لي , ثم إني كبرت , ودخلت بغداد , قرأت بها العربية والفقه , ثم عدتإلى الري , فبينا أنا في الجامع أقابل " مختصر المزني " وإذا الشيخ قد حضروسلم علينا وهو لا ي | |
|